مما لاشك فيه أن الإعلام هو سلاح ذو حدين له دوره في كل الظروف فقد كان وما يزال يلعب دوراً خطيراً في حياة الأمم . وقد قررت الهيئة العامة للأمم المتحدة في أول اجتماع لها في 1946 " إن حرية المعلومات هي حق أساسي للإنسان، وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة "، ويسلم المؤتمر العام لليونسكو في العام 1990 بأن الصحافة الحرة والمتعددة والمستقلة عنصر أساسي في كل مجتمع ديمقراطي، وأعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن حرية الرأي والتعبير أحد الشروط الأساسية لتطور المجتمع الديمقراطي ولنمو كل إنسان ومجتمع .
وقد نصت المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، وإستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.
ويعتبر الإعلام مرآة البلدان الديمقراطية، ودوره الأساسي الذي يميزه هو انه يعكس قضايا المواطنين ومشاكلهم وهمومهم على الملء بشكل موضوعي وشامل دون إنحياز أو تمييز لطرف على حساب اخر .
وفي دول العالم الثالث، تعتبر وسائل الإعلام مرآة للسلطة الحاكمة المستبدة وللمتنفذين ورجال الأعمال ليكون ذلك على حساب الديمقراطية والمصلحة العامة، لتقوم بتزييّف الحقائق لتجعل هذه الانظمة المستبدة وسائل الإعلام آداة لتحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة والضيقة .
حينها يسوّغ النظام لنفسه ممارسة سلطة مطلقة على السلطة الرابعة، من توجيه وتبعية وتمويل ورقابة وتقييد، فيصبح دورها مجرد كونها ببغاء وناطق رسمي بإسم السلطة من أجل تبرير أفعالها المشينة، وتمجيد أعمالها وقراراتها المستبدة والظالمة بدلاً من معالجة قضايا المواطنين بشكل جدي وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكلهم بشكل جذري .
هكذا تبقى السلطة قادرة على تغييب الحقيقة والتلاعب بعواطف وعقول الناس لكي تسيرهم وفقاً لمصالحها الضيقة ليكون ذلك على حساب المصلحة العامة .
ورغم ذلك لا يجب اي تؤدي هذه الأفعال لخروج بعض مؤسسات الإعلام عن سياقها الطبيعي وأهدافها وقواعدها المهنية والأخلاقية، بل يجب عليها العمل على ترسيخ أخلاقيات وأدبيات المهنة الإعلامية بما يتطابق مع المقاصد والمبادئ والقيم الدولية .
وهنا تكمن خطورة الإعلام، ليكون دوره أحيانا هو تأجيج الصراعات وتغذيتها، فمع تطور تكنولوجيا وسائل الإعلام وتقنية النشر والتلقي وتبادل المعلومات وتزايد وتيرة الترابط العالمي بمختلف وسائل التواصل، حيث أصبح هذا النوع من التخاطب يشكل خطراً أكبر قد يتسبب في إزدياد نشوء النزاعات ونشوب الحروب، ولذا يلعب الإعلام أدوارًا أساسية في أغلب صراعات العالم حالياً .
فمن واجب الصحفيين أن يكونوا عادلين وغير منحازين في تقاريرهم وكتاباتهم الصحفية، ومن واجبهم التحلي بالمسؤولية عند ممارسة أعمالهم الإعلامية والإمتناع عن نشر كل ما يشكل دعوة الى العنف والتمييز والكراهية والمفاهيم الخاطئة التي تدعو لزيادة الهوة بين الأطراف المتنازعة، كما من واجبها ان تساهم في تدعيم السلام بين الشعوب والشرائح والتفاهم بين الدول، إضافة الى توخي الدقة والموضوعية وعدم التحيز وتشويه الوقائع عند نقلها للمتلقي .
لكن هناك عقبات دائما ما يواجهها الصحفيون في بلدان العالم الثالث، حيث لا توجد ضوابط مهنية أو أخلاقية في معظم الوقت، ومن بينها موريتانيا، تكمن في غياب المناخ القانوني الملائم للعمل على تحقيق إستقلالية وسائل الإعلام، وعدم قدرة الاعلاميين على التعاطي الايجابي مع النزاع، كما يضاف إلى ذلك غياب مراكز تدريب متخصصة لتدريب الصحفيين وإطلاعهم على تجارب المجتمعات الأخرى .
ومن واجب المؤسسات الإعلامية، تكوين اعلامييها على رصد خطاب الكراهية والعنف، ودعمهم من اجل كيفية التغطية الاعلامية المسؤولة والهمنية، من أجل عدم الانحياز في أوقات النزاعات، بما في ذلك فهم وتحليل النزاع، والتحديات التي قد تواجهم خلال تغطية النزاعات، ودور الإعلام في تأجيج أو حلّ النزاعات .
والله المستعان على ما تصفون .