ينتشر القضاء الشرعي بشكل لافت في مناطق صحراء شمال مالي ليصبح الجهة التي يلجأ إليها المتخاصمون لفض نزاعاتهم بل ومتابعة شكاوى الناس وحلها ليعوض غياب القضاء الرسمي والأجهزة الرسمية للدولة وبخاصة البادية، والقرى البعيدة، والأرياف الموغلة في الصحراء.
ويعتمد القضاء الديني التقليدي على سلطة القاضي الفرد الحاكم بمرجعية الدين مستندا في أحكامه إلى أصول ومبادئ ثابتة في الشريعة.
"محمد ولد عمار" شاب يبلغ من العمر 25 عاما، قتل ابن عمه في شهر اغسطس/ الماضي بسبب خلاف على جمل ، يروي محمد مسار التقاضي الذي حصل له مع القاضي الشرعي فيقول : "لم أقصد قتل ابن عمي كان شجارنا في البداية عاديا، وبغية إخافته رميته بالسكين ولكن شاءت الأقدار أن ينغرس في عنقه فيلقى حتفه".
يواصل ولد عمار "بعد أن حصل ما حصل أخذني والدي إلى القاضي الشرعي عثمان ذائع الصيت في صحراء شمال "تين بكتو" الذي يلجأ إليه أغلب سكان الصحراء لحل مشاكلهم ونزاعاتهم.
وبعد سماعه لما جرى حكم القاضي بأن أدفع "دية القتل" وقدرها بعشرين ناقة، بعد طلب الاعتذار من عائلة الفقيد وقبولها، وفي هذه الأثناء تم الاتفاق مع عائلة عمي، على أن يكون الدفع على مراحل والآن لم يبق لي إلا أن أكمل تسليم ثمانية من النوق وفق الجدول المحدد.
ولا يخفى ولد عمار ، بأنه لا يملك الدية التي حكم بها عثمان ولكنه راض بالحكم لأنه كان خائفا من أن يُعدم، فنفس القاضي سبق له وأن حكم بإعدام أشخاص أثناء النزاع الذي شهده شمال مالي ، وكان ذلك بضغط من المجموعات الجهادية المتواجدة في المنطقة في ذلك الوقت.
ويحدثنا، الرجل الخمسيني "أخمدوأغ ودون" ، الذي ألقي القبض عليه من قبل سكان قرية "تامشكويت" الواقعة 30 كلم شمال غرب مدينة "غوندام " بتهمة السرقة فيقول " بعد أن تم القبض علي أخذوني مقيد اليدين إلى القاضي عثمان ، وعندما وصلنا أمر بفك قيدي ثم استجوبني قبل أن يقرر إدانتي بالسرقة وحكم علي بأن أعوض كل ما اتهموني بسرقته من البقر و المعز".
ويعتبر القاضي عثمان من أشهر القضاة الشرعيين التقليدين بالمنطقة ويتهمه كثيرون بالتعامل مع المتشددين من الجماعات الجهادية، والرضوخ لمطالبهم.
ويرد القاضي على هذه الاتهامات قائلا "يتهمني الكثير بالتعامل مع الحركات الجهادية وذلك لأنني أحكم بشريعة الله وسنة نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، أنا لا أنكر أنهم ساعدوا في تنفيذ ما يصدرعني من أحكام خلال فترة سيطرتهم على المنطقة وهو أمر كانت تقوم به معي أيضا السلطات الرسمية في السابق وحتى اليوم".
ويرى القاضي، أن التحكيم الذي يقوم به مساند وداعم ومكمل للقضاء المدني على اعتبار أن الشريعة الاسلامية هي المنبع والمرجع وهي المصدر للقضاء والتحكيم، موضحا أن بعض القضايا المعقدة التي يصعب حلها يحولها الى المحكمة في "تين بكتو" لإعادة النظر فيها وخاصة منها التي لا يقبل أصحابها بالحكم التقليدي الشرعي.
من جهته، يوضح المحامي والمستشار القانوني "بوبكر سيسي"، الذي يعمل في القضاء الرسمي أنه "لا يجوز للقاضي التقليدي الشرعي أن يلزم الطرفين أو أي طرف من أطراف النزاع بحكمه إن لم يكونوا مقتنعين به، كما لا يستطيع أحد الأطراف في القضايا غير المتفق على إحالتها إلزام الطرف الآخر باللجوء للقضاء التقليدي ، وهو ما يفرض وجوبا اتفاق جميع الأطراف" على اختيار هذا النوع من القضاء.
وأكد سيسي، أن هناك قضاة تقليديين معترف بحكمهم في القانون المالي ، لاسيما بعد التوقيع على بنود اتفاق السلام والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، مبينا أن هناك من يحتكم لهذا القضاء وان هناك قضايا عديدة أحالها هذا القضاء الى القضاء المدني ورفض البت فيها، إما لأنها معقدة أو لعدم قبول أحد المختصمين بالحكم الصادر فيها.
صوت الكثبان