الغد أول صحيفة عربية مالية

النيجر: مأزق الإرهاب العابر للحدود

بواسطة kibaru

نيامى ــ إبراهيم سنجاب

 

مافيا السلاح وتجار البشر والمخدرات يمرون من هنا  

عشرات المواقع العسكرية للغرب فى دول الساحل.. والصين تدخل المنافسة 

مراكز ثقافية للأمريكيين والفرنسيين والأتراك والإيرانيين.. وغياب عربى  رغم الحضور

مثقفو النيجر : نحن منسجمون مع المصريين وننتظر شراكتهم فى التعليم والزراعة والتبادل التجارى

 

هذه هى البلاد التى يقال فيها لو كان الفقر رجلا لقتلته , فى النيجر وقبل أن تطأ أقدامك أرضها تستشعر الفقر من جيرانك على مقاعد الطائرة المتجهة إلى مطار نيامى العاصمة .

فوفقا لتقارير الأمم المتحدة فإن النيجر تنافس على المركز الأول فى العالم فى نسبة الفقر وتنضم إليها دول أخرى معظمها أفريقية رغم ما بها من ثروات تعدينية وزراعية وحيوانية . وكما قال حسن يوسف الصحفى فى (تنماناك – الاتحاد ) الصحيفة العربية التى لاتزال تصدر هنا بدون انتظام فإن الأفارقة يمتلكون الأرض ولكن ما تحتها من ثروات يتنزه بها غيرهم .

لا توجد رحلة لمصر للطيران إلى النيجر رغم أن لها 3 رحلات أسبوعية إلى تشاد المجاورة ولا تجد من يجيب عليك لو سألت ولم لا تنزل الرحلات إلى انجامينا فى تشاد ترانزيت وتكمل إلى النيجر ثم تعود ؟ خاصة أن طيران الأثيوبية والتركية وغيرهما يأتون إلى هنا بانتظام ويمكن القول إنهما يكتسحان الأجواء الأفريقية بخطوات مدروسة ومربحة وبأسعار مقبولة .

من مطار القاهرة وعلى طائرة (الأثيوبية ) التى اتجهت إلى أديس أبابا أولا , تلاحظ وجود ركاب من عدة جنسيات إفريقية وأجنبية خاصة الصينيين فى طريقهم إلى العاصمة الأثيوبية ومنها إلى عدة دول وسط وغرب وشرق وجنوب القاهرة وهو ما يعنى ازدهار صناعة النقل الجوى الأثيوبي خصما من رصيد مصر فى القارة السمراء . ويتأكد لك ذلك فى مطار أديس أبابا المزدحم جدا والمنظم أيضا والمكتظ بالطائرات .

فى الدقائق التى تسبق هبوط الطائرة يمكنك أن تلاحظ بسهولة امتداد الصحراء الشاسعة القاحلة إلى أن ترى نهر النيجر والزراعات الممتدة على شاطئيه ثم تعاود فترى الرمال الصفراء التى تغطى اكثر من 90% من مساحة الدولة التى تصل إلى أكثر من مليون و250 ألف كيلو متر مربع وتقع بين الجزائر وليبيا وتشاد ومالى وبوركينا فاسو وبنين .... ويبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة 99% منهم مسلمون والباقي مسيحيين يتحدثون عدة لغات منها العربية رغم أن الفرنسية لغة رسمية أولى بالإضافة إلى اللغات العرقية المحلية .

ولازالت العربية رغم كل المصاعب التى تواجهها هى لغة التفاهم بين كثير من النيجريين وقد يقرأونها ولا يكتبون أو يتكلمون بها وتسمى العربية الأفريقية وهى قريبة من كتابة ( ورش ) المصحفية , ويذكر النيجريون أنها كانت لغة التخاطب والمعاملات اليومية الأولى بين قبائل الهوسا – العرب – الفولانى –التبو – الجومنشى – البورو قبل الاستعمار الفرنسي فى منتصف القرن الماضى.

وتعتبر النيجر كدولة هى حلقة الوصل بين دول الصحراء الكبرى وكما يقول الباحث السياسى أحمد خميس نوح وهو من قبيلة الطوارق: إن عقلية أبناء النيجر إسلامية بسيطة تربت على السلم والمصالحة والتسامح , ولذلك فهى نافذة مفتوحة أمام أى تدخل أجنبي , وظلت متمسكة بتقاليدها فى ظل الاحتلال ولكن مع بداية عام 2000 بدأت الحياة تتغير بعنف وتنهار التقاليد والعادات المعروفة مع انتشار المدارس الفرنسية , وظهور الانترنت وكثافة حركة اللجوء إليها من الدول المجاورة سواء للمعيشة فيها أو للعبور إلى ساحل المتوسط والهجرة إلى أوروبا .

ويذكر جبريل أبو وهو من قبائل الزورما : فى النيجر 106 أحزابا ولأقل من 20 منهم تمثيل فى البرلمان أكبرهم الوطني الحاكم يليه حزب الحركة الديمقراطية المعارض ثم حركة التجمع الأفريقي , ويوجد بها أكثر من 1000 منظمة مدنية أغلبيتها تتلقى تمويلات من الخارج خاصة أمريكا وأسبانيا وبلجيكا وكندا وألمانيا ودول خليجية أبرزها السعودية والكويت وقطر ثم الإمارات , وهى تعمل فى مجالات تنمية الديمقراطية وحقوق الإنسان وصحة المرأة والطفل وحفر الآبار وبناء المساجد وتعليم اللغة العربية.

 

 




لماذا لا تكثف مصر وجودها ؟

أما عن القوى الدولية التى لها وجود مؤثر فى النيجر فهى فرنسا، ولها وجود عسكرى ضخم وقواعد عسكرية خاصة فى إقليم أزواد فى الشمال وهى الأكثر انتشارا فى كل دول غرب أفريقيا , كما أن لها وجود اقتصاديا لاستغلال مناجم اليورانيوم فى مناطق الطوارق شمالا ( آرليت ) ولا ينافسها أحد حيث تعد النيجر الدولة الثانية فى ترتيب الدول المنتجة له ,ويضيف : يمتد الوجود العسكري الفرنسي فى مناطق جنوب الحدود مع ليبيا والجزائر وغرب تشاد وشرق مالى وبوركينا فاسو وموريتانيا , أما الوجود الفرنسى اللافت فهو فى التعليم حيث تنتشر الجامعات والمدارس والإرساليات التبشيرية والصحف والقنوات التليفزيونية والمراكز الثقافية , ومع ذلك فليس لفرنسا وجود فى مجالات الصحة أو الزراعة والصناعة والتنمية .

- أمريكا : ويصف ( خميس ) وجودها بالناعم أو الخفي فلا أحد يراهم وفى المناطق التى يوجد فيها الأمريكان عسكريا فإنهم ودودون جدا مع المواطنين فى مناطق الطوارق تحديدا وبدأ وجودهم منذ عام 2012 بعد أحداث مالى فى إقليم أرواد الدامية . ولهم أكبر قاعدة عسكرية فى شرق البلاد قرب الحدود الليبية , والآن بدأوا يشيدون المطارات والطرق التى تخدم وجودهم لفترة أطول , كما أن للأمريكان مركزا ثقافيا فى العاصمة نيامى وهو أكبر مركز أجنبي يقبل عليه النيجريون لتعلم اللغة الإنجليزية ويضيف بحسرة : لقد تخلى عنا العرب وتركونا للغرباء المستغلين .

- الصين : الوجود الصينى غير ملحوظ عسكريا ولكنه اجتاح الاقتصاد النيجري وهى الدولة الوحيدة التى تعمل فى مجال استخراج البترول , ولها أكبر مستشفى فى غرب إفريقيا هنا فى نيامى وكذلك أضخم فندق وتسهم فى عدة مشروعات كبرى فى مجال الطرق والجسور , كما أن لها تبادلا تجاريا ضخما، حيث يتوجه إليها التجار الآن مباشرة وكانوا فى السابق يستوردون منتجاتها من دبي.

- إيران: الإيرانيون موجودون هنا من القرن الماضى وهم يهتمون بالتعليم الدينى المذهبي ولهم جامعة المصطفى وثانوية الزهراء والمستشفى الايرانى ويقدمون خدماتهم شبه مجانية , ويعملون على نشر المذهب الشيعي الذى يجد هنا أرضا خصبة كما يقول (خميس )خاصة أن لهم دعاة فى جميع مناطق الدولة وفى المراكز الصحية والتعليمية يستخدمون أساليب ناعمة ويستقطبون كل من يطلب عملا معهم مهما كان مستواه التعليمى بشرط أن يدرس مناهجهم ومذهبهم.

- تركيا : ( بي دير ) هو أكبر مركز تعليمي فى نيامى من الإبتدائى حتى الثانوى وبأغلى رسوم وهو من المؤسسات الراقية , ولتركيا مشاريع ثابتة هنا وأخرى موسمية فى المناسبات الدينية والوطنية , وقد انتهى الأتراك من بناء جامعة كما أن الخطوط الجوية التركية تكتسب كل يوم عملاء جددا وهى تخطط لاكتساح النقل فى دول غرب إفريقيا حيث أنها تقدم أرخص الأسعار فى رحلات شبه يومية مباشرة أو ترانزيت , ويشارك الأتراك فى كثير من المشروعات العمرانية والإنشائية باستثمارات كبيرة .

- السعودية : منذ سبعينات القرن الماضي بدأ الوجود السعودي فى التعليم والإغاثة والمنظمات الخيرية والدعوية , كما أنها أكبر دولة فى العالم من حيث تقديم المساعدات المالية والاقتصادية للنيجر وأسهمت فى مشروع إنشاء سد ( كنداجى ) على نهر النيجر ولها تأثير كبير فى مجال التعليم الديني.

- ليبيا : مازال الوجود الليبى قائما رغم رحيل القذافى الذى يعتبرونه هنا ( بطل إفريقيا ) وتوجد مدرسة ليبية من الحضانة حتى الثانوى وجمعية للدعوة الإسلامية ومؤسسات تجارية وبنوك وشركات ومحطات وقود.

- أما عن الوجود المصري فيقول حمزة واى وهو من قبائل الهوسا : كانت مصر هى أول دولة توجد هنا وما زالت شركة النصر تمارس أعمالها فى نيامى حتى الآن وهنا بعثة الأزهر ومشروع المزرعة المصرية النيجرية , ونتمنى أن يكون لمصر وجود قوى فى جميع المجالات حتى على المستوى الأمنى , ويتساءل لماذا لا تكثف مصر وجودها خاصة أننا منسجمون مع هذا الوجود نفسيا وشعبيا ؟فمعظم الخريجين تعلموا هناك وهم أكبر نسبة متعلمين مقارنة بالدول الأخرى ؟ وينهى كلامه فى هذه النقطة قائلا لماذا لا يوجد لكم مراكز تعليمية كبرى ومشروعات اقتصادية خاصة فى مجال الزراعة والتجارة ويتساءل لماذا مصر غير موجودة ؟


مصر والنيجر علاقة تاريخية

فى مقر السفارة المصرية بنيامي التقيت السفير على الحلواني الذي قدم لي كل العون لاستكمال مهمتي فى ظل ظروف كانت غاية فى الصعوبة وقال لى : إن مصر هى أول دولة تفتح سفارة فى النيجر بعد الاستقلال فى الستينات , وما زالت تؤيد مصر فى المحافل الدولية والأفريقية وهناك توافق دائم فى كل الرؤى , وأضاف أن رئيسى البلدين يلتقيان باستمرار وهناك علاقة وطيدة بينهما وهناك اتفاق تام فى شأن مكافحة الإرهاب وتغيير الخطاب الدينى ومحاربة الفكر المتطرف . وعلى المستوى الرسمي لا توجد بين البلدين علاقات تجارية أو اقتصادية ولا اتفاقيات ومع ذلك يعمل هنا عدد من الشركات الخاصة فى مجالات الأدوية والمعمار والمقاولات والنقل عدا شركة النصر للتجارة ومشروع المزرعة المصرية . وأضاف أنه تم مؤخرا تجميع المساعدات التى كانت تقدمها الوزارات المصرية منفردة ضمن إطار الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التى تقدم منحا فى مجالات الطب والتمريض والأمن والزراعة وغيرها .


سلاح ومخدرات وهجرة غير شرعية

تعتبر النيجر بموقعها الجغرافي الممتد ( سرة ) دول الساحل الإفريقي وهى نقطة التقاء الطرق المؤدية إلى الشمال خاصة ليبيا والجزائر ومن خلالها يصل القادمون من مالى وغينيا وبوركينا فاسو وبنين وتوجو ونيجيريا والسنغال إلى الشمال مستخدمين ( فرود ) مدقات ودروب صحراوية بعيد اعن الرقابة الأمنية لتحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا , بعضهم يموت عطشا وآخرون يموتون جوعا على أراض صحراوية بسبب الرياح الساخنة تحت رحمة عصابات التجارة بالبشر التى لا ترحم , هذه الدروب هى نفسها التى تستخدم لتهريب المخدرات والسلاح القادم من ليبيا فى رحلته العكسية إلى نيجيريا ومالى وتشاد عبر النيجر التى تخترقها كل طرق تهريب السلاح والبشر والمخدرات كحلقة وسيطة أو معبر , وأهمها الطريق الذى يبدأ من الحدود البوركينية المالية عبر النيجر إلى الجزائر , وطريق آخر فى نقطة التقاء الحدود النيجيرية مع النيجر عبر تشاد إلى ليبيا , ثم طريق حدود النيجر مع تشاد قادما من الكاميرون وإفريقيا الوسطى ليصل إلى ليبيا . ويضاف اليها طريق يمتد من المغرب وموريتانيا عبر النيجر وجنوب الجزائر الى ليبيا ومصر لتهريب المخدرات

16قاعدة عسكرية أجنبية فى إقليم أزواد

يرجع النزاع فى إقليم أزواد شمال مالي إلى عام 1960عقب الاستقلال عن فرنسا مباشرة حيث كان الطوارق وقبائل السانغاى والفولاني والعرب يحلمون بدولة مستقلة وهى قبائل ممتدة في مالي والجزائر والنيجر وليبيا , واستمرت المواجهات المسلحة بينها وبين الدولة في مالي حتى أعلنوا الاستقلال فى 6-4-2012 ولكن لم يعترف بهم أحد فى غياب الجيش المالي النظامي الذي لم يكن له وجود يذكر فى الإقليم الذى يعوم على بحيرة من النفط واليورانيوم والغاز والذهب . وظهرت في الإقليم عدة جماعات أصولية متشددة مسلحة إلى أن تدخلت فرنسا عسكريا فتنازل الناشطون الأزواد عن مطلب الاستقلال وانتقل الملف السياسي إلى بوركينا فاسو ثم الجزائر وانتهى بتوصيات بمنحهم نوعا ما من الحكم الذاتى غير المعلن , ولكن ما زال الملف مفتوحا فى ظل وجود عسكرى أبيض يتمثل فيما أطلق عليه عملية (برخان) وهم من الأمريكان والفرنسيين والأوروبيين بمشاركة القوات الدولية التى تمثل تجمعا عسكريا من عدة دول إفريقية بما فيها مالى , ويضاف إليهم أمنيون تابعون للجيش الأزوادى ليشكلوا جميعهم 16 معسكرا . وتعد قاعدة أمشاش فى(تيسي ليت ) بولاية كندال اكبر قاعدة عسكرية فى غرب أفريقيا وفيها معسكران للجيش الأمريكي والفرنسي ومن بين عناصرها جنود من الازواد. كما يوجد تجمع كبير للقوات الفرنسية والأمريكية والصينية والبلجيكية والهولندية فى ولاية جاوا عاصمة إقليم أزواد.

وكما يقول محمد السراج عيسى رئيس منظمة حركة الشباب للتضامن : إن النيجر تمثل نقطة انطلاق كل القوات الأجنبية الموجودة فى دول غرب أفريقيا,لأن نيامى هى العاصمة الأقرب لكل مناطق النزاعات والثروات سواء فى مالي أو نيجيريا أو ليبيا , فعلى سبيل المثال فإن المسافة بين نيامى ومنطقة النزاع في شمال دولة مالي 500كيلومتر بينما تتضاعف إلى ألف كيلو متر بالنسبة لباماكو العاصمة .وهى كدولة منسجمة وشعبها متماسك ليس بها جماعات مسلحة أو إرهابية تناهض الدولة كالدول المجاورة , ولذلك فإن هذه العوامل توفر عنصر الأمن والاستقرار للجيوش المحاربة... ولكن يبقى السؤال: من الذي صنع الإرهاب أو ساعد فى تخليقه ؟ وهل جاء كل هؤلاء لمواجهة الإرهاب أم لحراسة ثروات الإقليم والتنافس على من يقتنصها أولا ؟