الغد أول صحيفة عربية مالية
نهاية مهمة رئيس الوزراء في مالي

"لوموند" تكشف وثائق سريّة حول عمليات فرنسا الأمنية-العسكرية ضد الإرهاب

بواسطة kibaru

أ ف ب 

كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير نشرته يوم الأربعاء 4 كانون الثاني/يناير عن الكيفية التي تتخذ فيها القرارات وعلى أعلى المستويات في مؤسسات الجمهورية فيما يتعلق بتعقب وتصفية الأهداف الجهادية في سوريا والعراق وغيرها ضمن إطار الحرب ضد الإرهاب الإسلامي.

واعتمدت الصحيفة على وثائق سريّة تمكنت من الحصول عليها تتضمن نقاشات وترتيبات وإجراءات تنسيق مشترك بين إدارات الدولة الفرنسية (الجيش والمخابرات والقضاء والخارجية) وصولاً إلى الرئيس هولاند الذي، بحسب الصحيفة، يتخذ شخصياً بعد مشاورات مع مجلس دفاع مصغر القرارات الحساسة حول مصير الجهاديين الذين "يضرّون بالمصالح الفرنسية".

وتشرح الصحيفة أن أحد أبرز الهواجس المحيطة بالعمليات الخارجية ضد الجهاديين هي التسويغ القانوني للغارات التي تستهدف الفرنسيين منهم خاصة وعمليات قتلهم التي تتم خارج نطاق القضاء وتنفذها القوات الخاصة. وكانت مذكرة سرية لمجلس الدفاع مؤرخة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 قد نصحت بتوخي الحذر مع الإعلام و"الحديث عن هجمات ضد مراكز تدريب الإرهابيين في سوريا حين يتعلق الأمر بضربات ضد أهداف قد يكون بينهم مقاتلون فرنسيون".

وتعتمد فرنسا في حربها ضد الإرهاب الجهادي على خليط من العمليات الاستخباراتية والتصفيات والضربات الجوية المركزة مازجة بذلك أساليب الحرب التقليدية وغير التقليدية، وآخذة بعين الاعتبار على وجه الخصوص أن عمليات استهداف الجهاديين من قبل الجيش والمخابرات الخارجية قد تضر بصورة الأجهزة وتجعلها عرضة للملاحقة القانونية في فرنسا.

وتضمن تقرير "لوموند" كذلك معلومات صدرت حديثاً في كتاب بعنوان "لا ينبغي على الرئيس أن يقول هذا..." يحكي تجربة فرانسوا هولاند في سدة الرئاسية منذ 2012 دونها صحفيان من "لوموند" ودعماها بمقابلات مكثفة مع الرئيس حول فترة حكمه. وتتعلق هذه المعلومات بالمئات من عناصر المخابرات الفرنسيين الملحقين في جهاز تحت اسم "ألفا" (وهو الذراع العسكرية للمديرية العامة للأمن الخارجي) يتم تدريبهم في مدينة "بيربينيان" جنوب فرنسا ويحوزون "بحكم الأمر الواقع على رخصة قتل خارج الإطار القانوني الوطني أو الدولي".

وقد اعترف الرئيس هولاند خلال لقاءاته مع صحافيي "لوموند" بإصدار أوامر القيام بأربع عمليات من هذا النوع على الأقل دون أن يكشف أسماء الجهاديين الذين تمت تصفيتهم، غير أن الصحافي فانسان نوزي مؤلف كتاب "أخطاء قاتلة" قال إن عدد هذه العمليات يفوق بعشر مرات الرقم الذي قاله الرئيس. وهي عمليات يتم تصنيفها عادة تحت اسم "شؤون الدفاع السرية للغاية" وهو أعلى مستوى من السرية للوثائق الرسمية في الجمهورية الفرنسية.

بالإضافة للمخابرات الخارجية النافذة، تطرّق هولاند إلى الدور الذي تلعبه "القوات الخاصة" المرتبطة بقيادة الجيش في تصفية ما يسمى بـ"الأفراد ذوي القيمة العالية" من الجهاديين. وتدور هذه العمليات خاصة في منطقة الساحل الإفريقي منذ أن بدأت فرنسا تدخلها هناك عام 2013 وقد تمكنت، بحسب وثيقة صادرة عن المخابرات العسكرية، من تصفية 17 من جهاديي تنظيمي "القاعدة في المغرب الإسلامي" و"المرابطون". غير أن هذه العمليات قد تكون مدفوعة أحياناً بدافع الانتقام من جهاديين مارسوا أدوار مضرة بـ"المصالح الفرنسية"، عندها، يقول الرئيس، لا يكون واضحاً دائماً من يكون في السيارات المستهدفة حين يعطى أمر الضربة.

العراق أيضاً ولكن خاصة سوريا تشكلان المسرح الآخر للعمليات السرية الفرنسية منذ بدء تمدد تنظيم "داعش" في أراضي الدولتين والتي تكثفت على وجه التحديد مع العمليات الإرهابية التي تبناها التنظيم على الأراضي الفرنسية ضد جريدة "شارلي إيبدو". ووفق وثيقة عسكرية سرية مؤرخة في 17 حزيران/يونيو 2015، فقد قرر الرئيس "مواصلة دعمنا بشكل سري للمقاتلين الأكراد ضد "داعش" دون أن يكون هنالك تدخل فرنسي مباشر ولا حتى عبر طائرات مراقبة.

مع حلول خريف العام نفسه بدأت سياسة فرنسا بالتغير وانتقلت إلى "ضرب العدو في معقله" في ظل التهديد الكبير الذي شكله تنظيم "داعش" خاصة بعد هجومين فاشلين أولهما في نيسان/أبريل في ضاحية "فيلجويف" ثم في قطار "تاليس" في آب/أيلول. ومع مرور الوقت باتت المعلومات التي يحوزها الأمن الخارجي أكثر دقة لدرجة أنها نقلت إلى الرئيس صيف 2015 مخاوفها بشأن عبد الحميد أباعود، المقاتل البلجيكي مع تنظيم "داعش" في سوريا والذي يوصف بالعقل المدبر لهجمات باريس الإرهابية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

سمحت فرنسا حينها بجولات استطلاع جوية فوق الأراضي السورية كما نشرت بسرية فائقة مجموعات من سلاح الجو، لكن المشكلة كانت بحسب إحدى المذكرات السرية هي نقص المعلومات الدقيقة التي تسمح بتجنب إيقاع ضحايا بين المدنيين وأضرار مادية في حال الشروع في الضربات. وكان الرئيس واضحاً "لن نضرب حيث يوجد مدنيون".

بين أواخر صيف 2015 وشهر الهجمات الإرهابية الأعنف في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، وفي وقت كانت فيه فرنسا تحاول تحديد سياستها الدفاعية ضد الجهاديين، تمكن أباعود من تدبير كل العمليات الإرهابية. وتختم "لوموند" بالتساؤل "هل كان على فرنسا تكثيف ضرباتها منذ البداية وعدم انتظار هجمات تشرين الثاني/نوفمبر التي كان من الممكن بذلك تفاديها؟ أم كان من الواجب نقل المعلومات الأمنية السرية إلى القضاة المكلفين التحقيق في قضيتي "فيلجويف" و"تاليس" والتركيز على أباعود؟