الغد أول صحيفة عربية مالية

الزواج المبكر في شمال مالي بين قسوة الواقع الاجتماعي ولامبالاة الدولة

بواسطة kibaru

شكل آخر من أشكال العنف الموجه ضد المرأة ما يزال مستفحلا في النسيج الاجتماعي لسكان أقصى شمال مالي وتعاني منه الكثيرات من بنات المناطق الريفية والبوادي هو ظاهرة "الزواج المبكر للإناث" حيث تتحمل الفتاة الصغيرة مسؤولية الزواج  والأسرة وطفولتها لم تكتمل بعد .

 

تصبح الطفلة في سن مبكرة طرفا في علاقة زوجية لم تكتمل حتى مفاهيمها في ذهنها  الصغير ولم يكن لإرادتها دخل في حدوثها، هذا إلى جانب كونها غير مؤهلة نفسياً أو جسدياً لتحمل تبعات هذه العلاقة. وتعتبر هذه الظاهرة من أهم السمات الاجتماعية والثقافية المميزة لكثير من المناطق الريفية والأقل تحضرا في أقصى الشمال المالي. 

ورغم عدم وجود أرقام  أو إحصائيات دقيقة من جهات مختصة عن نسب الزواج المبكر المنتشر في مالي إلا أن عديد المصادر غير الرسمية تؤكد انتشار الظاهرة بشكل كبير في المجتمع وبخاصة في القرى والأرياف وفي صعيد الصحراء  والبوادي وان بنسب متفاوتة تختلف من منطقة لأخرى. 

مريم الأنصاري فتاة من سكان مدينة "تين بكتو"، تبلغ من العمر 18 سنة سبق لها أن تزوجت في سن 15 عانت كثيرا من زواجها المبكر ما اضطرها عديد المرات الى الهرب من زوجها الذي كانت تخافه وتتألم من تصرفاته معها  تقول : "كنت أهرب من زوجي الذي زوجني أهلي إياه دون موافقتي وبسبب كثرة هروبي منه  طلقني  لأتزوج بعد سنتين من رجل آخر انجبت منه حاليا ولدا"

تستذكر مريم زواجها الأول فجراحاتها منه لم تندمل بعد وتقول "للأسف لا يزال زواجي الأول يلاحقني لأن ألمه لا يفارقني".  وبالرغم من أن القانون في مالي يحدد سن الزواج للفتيات بـ 15 سنة و للفتيان بـ 18 سنة فهو يتعارض مع بروتوكول الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب المتعلق بالزواج حيث يحدد  في مادته السادسة السن الأدنى للزواج بـ18 عاما للفتيات  ومن الغريب أن مالي من البلدان التي صادقت عليه. 

 

تختلف الحكايات وقصص الزواج المبكر في مدن وقرى شمال مالي ولكن تبقى المعاناة واحدة قصة "نيتو ميقا" لا تختلف كثيرا عن قصة مريم الأنصاري.

 "نيتو " كان عمرها 14عاما حين زوجها أهلها  دون رضاها من رجل مسن في قرية بوريم الواقعة  على بعد حوالي 30 كلم شرق تين بكتو. 

هربت نيتو من زوجها  أكثر من مرة. تقول والحزن والملل  على وجهها  الصغير "كنت كلما  أهرب من زوجي المسن يقوم أهلي بإرجاعي إليه  رغما عن ارادتي حتى آخر مرة  ضربني  فيها والدي وطلب مني أن لا أرجع لبيتنا مرة أخرى فقررت الهرب من الجميع"  

تواصل نيتو :  هربت من  هذا المسن ،الذي أفضل الجحيم على العيش معه،  و اخترت الهروب إلى مدينة "قاوا " التي لا يعرفني  فيها أحد وعشت مع صديقة متزوجة لمدة سنة ومعها تعرفت  على بعض صديقاتها اللواتي اصطحبنني في عديد الجولات الى ان تعرفت  على شاب جمعتنا علاقة   انتهت بحملي منه واجهاضي بعد ان رفض الزواج بي وكادت عملية الإجهاض  ان تقتلني بعد حصول نزيف حاد  تدهورت  بموجبه حالتي الصحية والنفسية كثيرا " 

بحسب محمد علي أغ، المختص في الشؤون الاجتماعية، هناك من يرى بأن العوامل الدينية تبقى من أهم الأسباب  لانتشار ظاهرة  الزواج المبكر في المجتمع المالي وفي شماله بشكل خاص نتيجة انتشار مفاهيم المجتمع القبلي الخاطئة حول الزواج ، والاعتقاد بتنفيذ التعاليم الدينية ويضيف  "توجد العديد من الأعراف والتقاليد الخاطئة والتي تساهم في زيادة معدلات الزواج المبكر في شمال مالي، ومن أهم تلك العادات مثلا: الخوف على الشرف والعرض وهو معطى رئيسي يدفع العائلات الى تزويج بناتهن في سن مبكرة. 

ذلك ما توضحه ايضا السيدة آسيا سيسي أم لسبعة بنات أربعة منهن تزوجن في سن مبكر، تقول  "طبعا نختار أن تتزوج بناتنا في سن مبكر حفاظا على شرفنا وتقاليدنا فنحن نختار لهن الزوج ابتداء من يوم ميلادهن، أنا مثلا ،تقول السيدة سيسي، بناتي الأربعة خطبهن أبناء أخواتي في عمر ما بين ثمانية وعشرة سنوات". 

وعن المعاناة الصحية والأمراض التي تنتج عن هذه الظاهرة يقول الدكتور عثمان جالو، أن الزواج المبكر يتسبب في كثير من المشكلات النفسية لدى الفتاة، نتيجة حرمانها من أن تعيش المراحل الطبيعية لحياتها لتحملها مسؤوليات أكبر من سنها  مضيفا "قد يسبب الزواج المبكر حصول أمراض وأعراض جسدية كثيرة، قد تكون غير معروفة فحمل فتاة  في سنٍ صغيرة يؤدي إلى الكثير من المشكلات، كفقر الدم، واضطرابات في الرحم بسبب عدم اكتمال نموه بشكلٍ كامل، وقد تعاني  الفتاة الصغيرة من الإجهاض المتكرر الذي قد يبقى يطاردها مدى الحياة". 

ويتهم الدكتور القانون المالي بعدم تطبيق المواثيق المتعلقة بتحريم الزواج المبكر وعقاب من يوثق زواجا مخالفا لأحكام القانون الدولي.