الغد أول صحيفة عربية مالية

الهجرة سرا إلى "جزر الكناري"..قصص نجاة لا تخلو من مآسي

بواسطة kibaru

على الرغم من أن السلطات المغربية تلقت، حتى 8مارس2017، 18ألف و281طلب تسوية وضعية من طرف أجانب مهاجرين وصلوا الى المغرب بطرق غير قانونية من 116دولة، ، فإن الكثير من أبناء سيدي إفني مستعدين لمغادرة المنطقة إلى الجزر الاسبانية ولو عبر قوارب الموت وفي ذاكرتهم قصص حقيقية لمحاولات فاشلة لا تخلو من مآسي، كان أشهرها قصة "فاجعة لانزاروتي") الأربعاء 12 دجنبر2012(.

 

من المفارقات أن تدفع لقمة العيش الأبناء والأحفاد لركوب قوارب الموت نحو بلاد طرد اجدادهم منها من قبل، قرابة نصف قرن مرّ الآن عن استعادة المغرب لمدينة سيدي افني من الاحتلال الاسباني، والتنمية بالمنطقة لازالت متعثرة حسب شهادة بعض سكان المنطقة. إكراهات واقع البطالة دفعت الكثيرين منهم للمخاطرة بحياتهم عبر مياه المحيط الاطلسي للوصول إلى إحدى جزر الكناري السبعة التي لا يفصلها سوى بضعة أميال عن الساحل الجنوبي للمغرب، أملا في إخراج أسرهم من دائرة الفقر ولو على متن قوارب الموت.

 تينيريفي، جران كناريا، لانزاروتي ، فويرتيفنتورا، الهييرو، لاجوميرا ولابالما، من أكثر الجزر شهرة وشعبية في العالم، هي قريبة جغرافيا من المغرب ومن أفريقيا إلا أنها تابعة سياديا للتاج الإسباني وتتمتع بالحكم الذاتي، يقصدها السياح من مختلف أنحاء العالم على مدار السنة، كما يقصدها المهاجرون غير الشرعيون عبر سيدي إفني خلسةً.

 

"فاجعة لانزاروتي"

 

كانوا 25 فردا من مدينة سيدي إفني ونواحيها، ركبوا قاربا خشبيا سرا من منطقة la plage sauvage في اتجاه تحقيق أحلامهم بإحدى الجزر الاسبانية. دامت رحلتهم ثلاث أيام تعرفوا فيها أكثر على بعضهم البعض، لكنها انتهت بمأساة كبرى قبل ساعتين من طلوع فجر اليوم الثالث وعلى  بعد أقل من كيلومترين من شاطئ جزيرة لانزاروتي. 7 أفراد من المجموعة لقوا حتفهم غرقا بعد أن صدمهم مركب خفر السواحل، ولم يتم العثور سوى على جثة واحدة، وتم حبس ثلاثة من الناجين بتهمة المشاركة في تنظيم رحلة الموت وترحيل الباقين إلى بلدهم المغرب.

 

من ينجو من الغرق في أعماق البحر إما يجد نفسه في غياهب السجون قبل ان تتم إعادته إلى أرض الوطن، أو يظل مختبئا عن أنظار الشرطة الاسبانية شهورا أو أعواما

 

 هشام أحد الناجين من "فاجعة لانزاروتي" مازال يتذكر تلك الواقعة بألم وتحسّر ويصر على تحميل المسؤولية للسلطات الاسبانية معتبرا أن هناك مؤشرات عديدة تدل على أن الاصطدام كان مقصودا.  الم هشام الم مضاعف لأنه يدرك أن معظم أسر الضحايا لا تسمح لهم امكانياتهم بالوصول إلى إسبانيا وتقديم شكاوى ضد خفر السواحل الذين كانوا على متن المركب المتسبب في تحطيم قارب المهاجرين.

 

من ينجو من الغرق في أعماق البحر إما يجد نفسه في غياهب السجون قبل ان تتم إعادته إلى أرض الوطن، أو يظل مختبئا عن أنظار الشرطة الاسبانية شهورا أو أعواما لدى معارفه في انتظار فرج قد يأتي وقد لا يأتي؛ وفي أحسن الأحوال يقبل بأدنى الأعمال حتى ولو كانت مهينة ولطالما تأفف منها سابقا في موطنه؛ أما القُصّر فيوضعون في مراكز إيواء خاصة ولا تتم إعادتهم إلى موطنهم الاصلي ويبقون غير امنين من سوء الاستغلال.

 

أحلام راسخة

 

كريم رغم علمه بتلك الفاجعة، قرر ذات يوم مغادرة موطنه على متن قارب وعمره لم يتجاوز العشرين، مثله مثل الشباب والقُصَّر الذين يحلمون بالعيش في أوروبا ويحملون معهم آمال وأحلام الحصول على فرص أفضل في الضفة الأخرى، سألناه لمَ الهجرة غير الشرعية؟ فأجاب، وملامح التعجب والدهشة بادية على محياه: "الهجرة الشرعية مكلفة ماديا، واجراءاتها القانونية معقدة، والحصول على تأشيرة سفر إلى إحدى البلدان الأوروبية لمن هو في وضعيتي ضرب من المستحيل".

 

"لي أختان تتابعان دراستهما الجامعية وأمّ أرملة تعيلنا من معاش أبينا المتوفى بعد تقاعده من الجيش؛ 570درهم دخل الأسرة الشهري لا يكفي لقوت فرد واحد فما بالك بأربعة أفراد". يقول كريم انه اضطر لمغادرة الدراسة منذ التاسعة إعدادي ليساعد امه وعائلته على مصاريف البيت،

 

الا انه لم يجد عملا في موطنه فقرر ركوب البحر  يتابع  "تقصينا هدوء البحر وتحسّن الأجواء لتنفيذ هجرة جماعية مخطط لها سرا، بعيدا عن مسامع الواشين وبعيدا عن أنظار السلطات المحلية.. فنحن نعلم بوجود تعاون أمني بين المغرب والأجهزة الأمنية الإسبانية  لمنع الهجرة السرية.". 

 

رغم فشل تجربته الأولى، مازال كريم يفكر في الهجرة مجددا يقول : "قبض علي مع بعض الأصدقاء بعد يومين من وصولنا إلى جزبرة لانزاروتي، قضينا قرابة شهر سجنا. اليوم أعادوني إلى بلدي، لكن لن أتردد في المجازفة مرة أخرى إذا تسنت لي الفرصة للعبور إلى الضفة الأخرى ثانية. أعرف جيدا بعض أصدقاء الطفولة الذين هاجروا إلى هناك وحسنوا وضعيتهم وانقذوا أسرهم من الفقر، ومنهم من حصل مؤخرا على الجنسية الاسبانية".

 

وحسب الدكتور صلاح الدين اركيبي تتعدد أسباب الهجرة السرية أو ما يعرف بظاهرة "لحريكَـ"، لكن بهذه المنطقة غالبا ما تنحصر في أمل المهاجر في إيجاد هوية جديدة في بلدان الاستقبال تجعل وضعه الاجتماعي والاقتصادي أفضل أمام تذبذب وتيرة التنمية المحلية وعدم قدرة سوق الشغل الوطنية والمحلية على تأمين حاجيات الكثير من الشباب الإفناوي وأسرهم؛ مضيفا: "يساعد في ذلك أكثر صورة النجاح الاجتماعي الذي يظهره المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء العطلة، حيث لا يتردد في إبراز آثار النعمة عليه: اللباس، السيارة، الهدايا، الاستثمار في العقار..؛ مما يشجع الآخرين بما فيهم القُصّر على تركيز تفكيرهم على أوروبا".

وكانت وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي" قد كشفت أن أكثر من 200 ألف مغربي حصلوا على الجنسية الإسبانية بين عامي 2000 و2016.  أظهرت دراسة أنجزتها الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة خلال سنة 2016،حول تطلعات اجيال الهجرة أن 62% من المستجوبين صرحوا بأنهم يعتزمون الاستثمار ببلدهم الأم فيما يرغب 48% منهم في الرجوع إليه للحصول على شغل، فيما يفضل 85 بالمائة من الشباب المغربي المقيم بالخارج  الاقتران بشريك من أصول مغربية ويرغب نصفهم في قضاء فترة تقاعدهم بالمملكة .

 

صوت الكثبان