شهدت مدينة قاوا عاصمة الشمال المالي يوم أمس الأربعاء يوما ساخن وحار رغم أنه جاء بعد ليلة تصل درجة الحرارة فيها حوالي 15درجة، حيث انفجرت سيارة مفخخة يقودها أربعة انتحاريين حسب السلطات في المعسكر الوحيد لتجمع الجنود المشاركين في الدوريات الأمنية المشتركة المكونة من مقاتلي حركات سيما وبلاتفورم بالإضافة إلى جنود من الجيش المالي، و التي كان من المقرر أن تنطلق أعمالها في الساحة لتأمين المنطقة استعدادا لعملية إعادة الدمج المنصوص عليها في اتفاق السلام والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر برعاية الأمم المتحدة.
موت بدون مقابل وحيــاة بدون ضمان
تضارب عدد القتلى وكذلك الجرحى ﺑﺴﺒﺐ ﻭﺟﻮﺩ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻹﺻﺎﺑﺎﺕ ﺍلخطيرة ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﺮﺣﻰ في كل لحظة تأتي حصيلة جديدة إلا أن آخر حصيلة قدمها أحد منسقي عمليات الدوريات المشتركة ظهر اليوم لمراسل "الغد" أول صحيفة عربية في مالي، 68 قتيلا و 100 جريحا في صفوف القوات المشتركة إلا أن أكثريتها من سيما، وذكر أيضا أن العشرات منهم تم نقلها في طائرة عسكرية إلى العاصمة باماكو لتلقي العلاج.
في العادة تكون ضحايا مثل هذه الحالات التي طالما وصفت بالحزينة والمؤلمة لها وضعية خاصة قد يستفيد منها أهلها لكن مجزرة قاوا مختلفة لأنها مقيدة باتفاق الجزائر الذي ليس لهؤلاء وضع خاص بهم، بل يعتبرون جنود في استعداد التجنيد ليس لهم الكثير من الحقوق بعد.
قاتل معلن وضحيــة متهمة
لم تتأخر سرية " ﺍﻟﻤﺮﺍﺑﻄﻮﻥ " ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ الجزائري ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﺑﻠﻤﺨﺘﺎﺭ في تبني العملية الانتحارية وان منفذها ﻳﺪﻋﻰ " ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ ﺍﻟﻔﻼﻧﻲ ". ﻣﺆﻛﺪﺓ ﺃﻧﻪ ﺍﺳﺘﻬﺪف ﻣﻘﺮﺍ ﺗﺮﻋﺎﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ والمنيسما ﻭﻳﻀﻢ ﻗﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ، ﻭﺗﻨﺴﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ الموقعة أو المليشيات كما سماها البيان.
ﻭأضاف البيان أن هذه ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺤﺬير لكل ﻣﻦ ﺃﻏﺮﺗﻪ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﺮ ﺧﻠﻔﻬﺎ، و ﻟﻦ تسمح ﺑﺈﻧﺸﺎﺀ ﺍﻟﺜﻜﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻘﺮﺍﺕ، ﺃﻭ ﺗﺴﻴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻭﺭﻳﺎﺕ ﺃﻭ ﺍﻷﺭﺗﺎﻝ، ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻠﻤﺤﺘﻞ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻟﻤﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
إدانة دولية وسكــوت وطني
أدانت دول عديدة ومنظمات وجهات دولية هذه العملية الانتحارية الأولى من نوعها في مالي عامة، بعضها وصفها بالمجزرة وبالعمل الجبان، كالولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الموريتانية وبوركينا فاسو و فرنسا و روسيا وكذلك الأمم المتحدة، معلنة في الوقت نفسه تضامنها و استعدادها لدعم الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا لمحاربة ما سموه بالإرهاب.
من جهته فضل الشارع في الجنوب المالي التركيز على أخطاء سابقة دون التعليق على هذه العملية والسكوت عن منشورات للوزير الأول السابق المقيل موسى مارا الذي اكتفى بالتضامن مع قتلى الجيش المالي دون ذكر من معهم من الضحايا مرادفا مع ذلك : "الباقي للسلام". واهتم شعب الجنوب بزيارة الرئيس ووزير الدفاع لمكان العملية واصفين ذلك بالعمل الحكيم.
أما الشمال اكتفى ببعض الرقص وحكايات عن ما وصفوه بالانتصارات الوطنية واتهامات فورية لوقوف هذا أو ذاك وراء العملية الانتحارية لأن العملية تزامنة مع حفلات الزفاف الملغي الذي يطلقون عليه اسم إنطلاق عمليات التحرير.
تفقد حركي وحزن شعبــي غير معالج
اختارت الحركات الأزوادية المكونة من منسقية "سيما" وحركات بلاتفورم زيارة ساحة العملية بعد 24 ساعة من وقوعها، كما بدأت بانتقاد الحكومة المالية والمجتمع الدولي في بياناتها بتهمة إهمال تأمين السكن، وبخطاب أمام الجنود يأمرونهم بضبط النفس والبقاء في خط السلام والمصالحة.
فيما بقي حزن الفراق ناقش نقش الحجر في قلوب أهالي الضحايا وبقيت الكلمات تتجمد في أفواه الكتاب والمدونين لاسيما في الخارج سواء كانوا من الجنوب أو من الشمال وكأن الوضع يريد أن يقول هذه العملية وحدت شملهم.