الغد أول صحيفة عربية مالية

“مواطنون” على هامش الوطن …تونس تلفظهم و الإرهاب يستقطبهم

بواسطة kibaru

تحقيق: مبروكة خذير

 

لم تكن الطريق سهلة إلى هناك ،إلى قرية عين الزانة على الحدود مع الجزائر.قرى ممتدة على اليمين و اليسار و معاناة عائلات مازالت تعيش على هامش الحضارة ،بل فيهم من لا يمت بصلة لتراب تونس إلاّ لكونه يسكن فوق رقعتها الجغرافية  .

عائلات بأسرها من أرياف ولاية جندوبة شمال شرق تونس غير مدرجة في سجلات الحالة المدنية، فلا بطاقة هوية لديها و لا مضامين ولادة و لا حتى أي أحقية في الخدمات الحكومية من ماء و كهرباء و تغطية صحية .

تقدر الأرقام الرسمية أن 300 ألف تونسي ليس لديهم بطاقات هوية رسمية ولا يمكنهم المشاركة في المسار الديمقراطي المتواصل في البلاد منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. رقم نظنه أقل مما هو الوضع عليه في الحقيقة اذ يتحدث الكثيرون في الشريط الحدودي مع الجزائر على عدم امتلاكهم لبطاقات هوية وطنية سيما النساء وسط تلك الجبال.

300 ألف تونسي ليس لديهم بطاقات هوية رسمية ،رقم مفزع في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 11  مليون نسمة .لذلك تحاول بعض جمعيات المجتمع المدني في تونس تجاوز عدم وصول مؤسسات الدولة الرسمية إلى المناطق النائية المعزولة بتنظيم زيارات لأرياف البلاد التونسية حيث ينتشر سكان دون هويات لا يتمتعون بخدمات التأمين الصحي و لا يملكون حتى حق التصويت في الانتخابات كما لا تتوفر لديهم البنية التحتية.

عائلات عين الزانة

عشرات العائلات في أرياف جندوبة في مناطق عين الزانة ،حليمة ،سوق الجمعة، فرنانة ، أولاد مفدة و الصعدة و حمام بورقيبة التابعة لمنطقة عين دراهم كلهم لا يملكون هوية .أنهم لا يتمتعون بأي حقوق اقتصادية أو اجتماعية في ظل دستور تونسي يكفل ذلك .

فالقانون التونسي يعرف عديم الجنسية بالشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطن فيها و حسب الفصل 23 من الدستور التونسي فإن الدولة تحمي كرامة الذات البشرية و حرمة الجسد و يعتبر الفصل 22 من الدستور الحق من الحياة مقدّس لا يجوز المساس به.

و بالرغم من تفاؤل تونسيين كثرا بسقوط الدكتاتورية ،إلا أن المراقبين يعتبرون الديمقراطية الناشئة في تونس لن تتحقق في ظل وجود آلاف المهمّشين ممن لم تشملهم مؤسسات الدولة .

أطفال دون مضامين ولادة محرومون من التعليم

هل سمعت بترسانة القوانين التونسية التي تحمي الطفل؟ ؟

الأكيد أنكم سمعتم عن تونس التي تتشدق بما لديها من ترسانة قوانين للطفل. تونس التي تصنف نفسها من بين البلدان العربية الرائدة في حماية حقوق الطفل .

لكن هل نتفاءل كثيرا بهذه القوانين وواقع الحال يكشف أن تونس سنة 2017 يوجد فيها آلاف الأطفال خارج مقاعد الدراسة من عديمي الجنسية .

استغرق الطريق بالسيارة إلى منطقة عين الزانة أربع ساعات. طرق جبلية وعرة و متقطعة،  فحتى تعبيد الطريق أصبح مسالة صعبة أمام شركات المقاولات التي تأخذ على عاتقها مشاريع تعبيد الطرقات ثم يتوقف عملها لسنوات وسط غياب مراقبة السلطات لإنهاء الأشغال.

منذ سبع سنوات توقف مشروع تعبيد الطريق المؤدية إلى منطقة عين الزانة ليأخذ المقاول من تلك الطريق مصبا لآلاته التي لم تعد صالحة للاستعمال دون أن يلتزم بإنهاء مشروع تعبيد الطريق .

سلسلة جبلية خضراء خصبة ،فيها أشجار مثمرة متروكة، تلك هي الوضعية في ولاية جندوبة التي مازال يعيش فيها على هامش الدولة مئات العائلات .ثمة طرق مقطوعة  لمناطق لا يتسنى الوصول إليها إلا مشيا على الأقدام أو على ظهور الدواب.

منازل تشبه الأكواخ مبنية على سفوح الجبال و في أعاليها ، نساء تنحني ظهورهن من ثقل ما يحملنه من حطب من الغابات الممتدة  لعلهم يستطيعون به  بعث بعض من الدفء لأطفالهم في برد الشتاء القارس الذي لا يجدون فيه ما يلبسون.ففي فترة الثلوج ينقطع تواصلهم  بالمناطق الأخرى و ينعزلون، لا من مستجيب لنداءات استغاثتهم .

اكواخ عين الزانة

بين تلك الأكواخ كوخ عائلة الشقيقتين  أميرة و جيهان ،فتاتان لست أعرف عمرهما و لا أي كان من أفراد عائلتهما يعلم ذلك.

لا تملك البنتان أي وثيقة ولادة . تعيشان وسط تلك الطبيعة لا تفقهان من الحياة شيئا فهما أميتان  لا تدركان معنى الكتابة و لا القراءة.   تقول أميرة بمرارة:” نحن محرومتان من أبسط الحقوق ولم نعش يوما حياة كالأطفال، أتمنى أن أدرس، كم أود أن أخد ورقة و قلما و أستطيع كتابة الحروف مثل أندادي . أصدقائي يسخرون مني دائما لأنني أمية جاهلة .إنهم يضحكون من عائلتي لان أبي لم يدرّسنا و لم يسجلنا أصلا .أنا لا ينقصني التعليم فقط إنما لا أجد ما أكل و ألبس ….”

طردت أميرة من المدرسة لأنها لا تملك وثائق هوية فقد تقاعس والدها على تسوية وضعيتها و كلما زار المتفقد المدرسة  يقوم المدرسون بإخفائها عنه حتى لا يتفطن لوجود تلميذة دون هوية و لا ملف مدرسي .

عمار الخزري والد أميرة تزوج من  صالحة منذ عشرين عاما دون بطاقة هوية و أنجبت الزوجة 8 أطفال في غرفة ضيقة  دون التوجه نحو المستشفى لكونها لا تملك أي بطاقة هوية  ولم تسجل أي من أبنائها في سجلات الحالة المدنية .

بدت  الأم صالحة سيدة بسيطة لا تدرك أبدا خطورة الموقف .ابتسامتها الساذجة مازالت لا تفقه معنى أن تكون و أبناؤها دون بطاقة هوية تثبت انتماءهم لمنطقة حدودية يكثر فيها تسلل الإرهابيين،  فحتى ابنها غائب عن تلك الربوع يعمل في عديد الأماكن من ولايات أخرى لكنه كثيرا ما يتم إيقافه و هو لا يملك بطاقة تعريف وطنية .

أما عمار فهو عامل يومي و مسؤول عن عائلة متكونة من أحد عشر نفرا لا يستطيع أن يؤمن لهم ضروريات الحياة. يقول عمار بحزن و خيبة : “انأ عامل يومي بالكاد أجمع في الأسبوع سبعين دينارا منها أكلنا و شرابنا و ملبسنا و لست قادرا أحيانا على توفيرها و حتى حين يمرض أطفالي لا حول لي و لا قوة على التوجه بهم إلى المستوصف لأننا لم نملك بطاقة علاج…”

وترد صالحة في ذات السياق :”حين يمرضون أحاول بالطرق التقليدية مداواتهم و يظلون يعانون حتى يتعافون فهم و انأ و كلنا لا نملك بطاقة علاج.. .”

حاول عمار والد أميرة أن يسوي وضعية أبنائه غير أن المسالة بدت معقدة ذلك أن عدم تسجيل الأبناء في غضون عشرة أيام من ولادتهم يضع الوالد تحت طائلة التتبع القضائي و يدفع بموجب ذلك خطية مالية ويضطر إلى تسخير احد المحامين لتسوية الوضعية .

اجراءات معقدة و تحتاج من عمار والد أميرة التفرغ و الركض بين أروقة القضاء و هو لا يقدر على كل هذه الاجراءات  فهو بالكاد قادر على تامين لقمة عيش أبنائه و وزوجته و والده الذي يتقاسم معهم غرفة واحدة ينام فيها الجميع .

اميرة عين الزانة

حاولت معرفة آليات  تسجيل الأطفال في هذه المناطق الريفية  في سجلات الحالة المدنية فأعلن المسؤول عن قسم الحالة المدنية في ولاية جندوبة أن ” الإعلان بالولادة يجب أن يتم في ظرف 10 أيام من الولادة و الفصل 22 من قانون الحالة المدنية يقع إعلام ضابط الحالة المدنيّة  بالمكان بالولادات خلال الـ10 أيام التي تلي الوضع في حالة تجاوز الوقت القانوني للتصريح بالولادة هناك حل يتمثّل في ان يخرج من يد ضابط الحالة المدنية ليصبح في يد رئيس المحكمة .”

إن كانت أميرة قد تركت مقاعد الدراسة في وقت مبكر جدا فان جيهان بدت اكبر سنا من أترابها في مدرسة عين الزانة علي الحدود التونسية الجزائرية.

التحقت بالمدرسة بعد السن القانوني المسموح به ،و كان التحاقها بالمدرسة بفضل جهود معلمي المنطقة و رفضهم لان تبقي الفتاة بعيدة عن مقاعد الدراسة .لكن جيهان تعاني هي الأخرى من نقص في الأدوات المدرسية و لا يعلم معلموها سنها و لا تاريخ ميلادها و هي حتى إن التحقت بمقاعد الدراسة في مدرسة القرية لن تكون قادرة ،بسبب عدم وجود ملف مدرسي لها، على مواصلتها في المدرسة الإعدادية في منطقة سوق الجمعة المجاورة لعين الزانة.

سمير الدريدي إطار تربوي من ولاية جندوبة هو من ساهم في إلحاق جيهان و أختها بمقاعد الدراسة . يؤمن الناشط الحقوقي سمير الدريدي أن التعليم حق لكل طفل و يصرّح متحدثا عن وضعية جيهان و غيرها من الأطفال فاقدي الهوية  :” وضعية جيهان التي تدرس دون مضمون ولادة ليست حالة معزولة في هذه المناطق .هذه حالة عامة فأطفال المدارس الموجودة في المناطق الحدودية ليسوا مسجلين و لا يملكون هوية وهذا كله نتيجة غياب الدولة .فحتى الطريق التي نقطعها إلى هنا لا مظاهر فيها لوجود الدولة…”

يقترح سمير الدريدي إمكانية أن تلتجأ الدولة إلى الإطار التربوي بإعتباره القطاع الوحيد الذي يمثل الدولة في منطقة عين الزانة لتسجيل الاطفال مراعاة لظروفهم الإجتماعية . فالأولياء غير قادرين على دفع 300 او400 دينار لتسجيل الطفل الواحد.

يدرك المعلم سمير الدريدي أن تدخلاته و قبوله أطفالا في المدرسة دون هوية مسالة خطيرة قد تجره لمساءلة قانونية لكنه مقتنع أيضا أن الأطفال لا ذنب لهم حتى يكونوا ضحية عدم تسجيلهم في ملفات الحالة المدنية .

يضيف سمير الدريدي في هذا السياق :” يجب إنقاذ هؤلاء الأطفال عبر تدخلات معيّنة لأنه حتى  مندوب الطفولة لم يزر هذه المناطق أبدا و لا فكرة لديه عنهم .نحن مطالبون بمراعاة ظروف هؤولاء الأطفال لكن علينا مسؤولية قانونية .نحن قد نقبل الأطفال لعام او عامين إلى ان تسوى وضعيتهم لكن اذا لم يقع ذلك فماذا نفعل ؟ اذا حصل لهؤلاء اي  حادث مدرسي فمن سيتحمّل المسؤولية؟هل نقوم بطردهم ؟المدرسة هنا في هذه الربوع هي  المؤسسة الوحيدة التي تتبع الدولة و نحن نحس بالعجزو لا نعرف كيف نتصرّف مع هؤلاء الأطفال .نحن نطالب بتسوية قانونية سريعة لهؤلاء الأطفال دون إثقال كاهل الأولياء بالخطايا لأنهم غير قادرين على الدفع لانهم أصلا فقراء و معدمين.

ليست عائلة عمارخزري و غيرها من عائلات منطقة عين الزانة استثناء في موضوع معدومي الهوية في تونس .ففي الجانب الخلفي للجبل في منطقة حليمة من معتمدية فرنانة التي تبعد حوالي 50 كلم من ولاية جندوبة تعيش أيضا عائلة نوال طفلة الثماني سنوات و التي تعاني من نفس الإشكال.

بدت نوال و إخوتها الخمسة في صورة تشبه صورتلك الكائنات البشرية التي نشاهدها في الأفلام التي تتصور بداية البشرية .أمام كوخ متداعي للسقوط وسط صقيع الشتاء ،أرجل حافية و ثياب رثة و شعر مجعد متسخ ،وقفت نوال و إخوتها كأنهم كائنات قادمة إلينا من العصور الوسطى .صورة مخجلة و مبكية في زمن ندعي فيه أننا قطعنا أشواطا كبيرة في مجال التكنولوجيا و الاتصال و تحسين مستوى العيش .صورة طالما رايتها في أفلام تصور أدغالا افريقية نائية فاذا بها حقيقة صادمة تتجسد أمام عيني .

اطفال عين الزانة

لنوال وأخوتها يتامى ،آمها فقط المسؤولة عن العائلة. تنزل الأم يوم الأربعاء إلى مركز الولاية في جندوبة تتسول علها تؤمن ثمن قوت أبنائها بقية ايام الاسبوع . لا يملك كل افراد العائلة بطاقات هوية.الحقت نوال بالمدرسة التي تبعد عن كوخهم خمسة كيلومترات .لا تعرف العمر الذي التحقت به و لكنها انقطعت عن التعليم رغم جهود الإطار التربوي في توفير ظروف التحاقها و تعودها على الدرس.

الحقت نوال بالمدرسة فكانت كما وصفها معلموها في مدرسة عين  الزانة كتلك الفتاة البرية  التي ما تعودت ان ترى بني البشر مثلها.حاول الاطار التربوي بمساعدة المعلم سميرالدريدي تنظيفها و توفير الأدوات المدرسية لها لكن بعد المدرسة عن منزلها و الوديان التي تشقها يوميا للوصول إلى المدرسة و ما يعترضها من مخاطر الطريق الرابطة بين كوخهم و المدرسة دفعها  الى عدم مواصلتها التعليم .فبقيت لمدة منعزلة عن اترابها منزوية الى ان تركت مقاعد الدراسة .

و تضيف أم نوال في حديثها عن الخصاصة التي تعيشها العائلة “: ليس لدي أي مجال لتسوية وضعية أبنائي فحتى حين يمرضون اشتري لهم قليلا من الحنة و أضعها علي رؤوسهم و اذا توفر لي زيت الزيتون ادهنهم به حتى يتعافو .قد نبيت ليالي دون آكل فانا ليس لدي حيلة لأوفر لهم الاكل أحيانا و نحن نبيت فوق التراب في برد الشتاء و ثلوجه .ماذا بوسعي ان افعل امام هذا الوضع… ؟

يجمع أهالي منطقة عين الزانة ان لا أحد يكترث لحالهم .وسط كوخ متداعي في سفح الجبل يكاد يسقط بسبب سيول الامطار يعيش خضيري بن سعد مرسني أب لأربعة أطفال و أمهم يفترشون التراب شتاء .اضطر الاب الى سحب ابنته ثريا من المدرسة بعد ان عجز عن تامين لوازم دراستها.يعمل خضيري في الحضيرة شهرا و يغيب شهرا ليترك مكانه لغيره.راتبه الشهري لا يتعدى مائة و خمسين دينارا يجب ان يفي العائلة لشهرين .يبكي خضيري مرسني من شدة الفقر و الخصاصة و يقول :” لم يكترث لحالنا أي مسؤول لا المعتمد و لا الوالي  لا احد عاين وضعنا و قدم لنا المساعدة نعيش بدون ماء و نطهو الطعام على الحطب لا أملك المال لإكساء أطفالي أو إقتناء لوازمهم المدرسية أسقف كوخي المهترء هذا في الشتاء لا تقينا من مياه الأمطار ينام أطفالي أرضا..لا شيء غير البطالة لا نأكل لحما إلا مرة في العام نسكن في كهف من قش بدون كهرباء و حتى أواني الأكل تنقصني أولادي قطعتهم عن الدراسة، إبنتي عمرها 16 سنة سحبتها  من  مقاعدالدراسة لأنني لا أملك المال و حتي أطفالي الصغار سيكون حالهم حال أختهم الكبرى لأنني لن أقدر على مصاريف دراستهم عندما ينتقلون من المدرسة الى المعهد …”

كوخ في عين الزانة

نخبة غائبة و وعود تبخرت

نوال و أميرة و أخوتهم و عشرات العائلات في المناطق الحدودية مع الجزائر يعيشون تحت خط الفقر و محرومون من بطاقات الهوية .لكن مناطقهم المتروكة المهمشة المنسية كانت مزارا للعديد من نواب الجهة ممن ترشحوا للانتخابات التشريعية سنة 2014.في ذلك الوقت تلقى اهالي الشريط الحدودي مع الجزائر وعودا كبيرة بتسوية وضعياتهم و تحسين مستوي عيشهم .

نواب ولاية جندوبة في قفص الاتهام اليوم اذ يعتبر الاهالي انهم تنكروا لوعودهم و نسيوا بعد أن فازوا في الانتخابات العودة لتلك المناطق المنسية . رغم الوعود الكبيرة التي وعد بها بعض من  ترشّحوا لإنتخابات 26 من أكتوبرسنة 2014 من تحسين للوضعيات الإجتماعية و إنتشال من الفقر لكن ظلت الوعود حبرا على الورق.

درة اليعقوبي نائبة تمثل الاتحاد الوطني الحر في  مجلس نواب الشعب  عن ولاية جندوبة وعدت سكان هذه المناطق الذين لا يملكون بطاقات هوية بمساعدتهم بعد إنتخابها منذ سنتين  ولم تف بوعدها. .

و بعد عام من انتخابها كان لدرة اليعقوبي لقاء اعلاميا مع الصحفية نجوى الهمامي التي واجهتها بصور المنسيين في تلك المناطق فوعدتها بالتحرك لانقاذ الاهالي و لم تحرك  أيضا ساكنا ، علما بأن بقية  نواب البرلمان الذين توجهنا لهم بالسؤال عن المحرومين من هوياتهم في مناطق الشمال الغربي فهم أيضا على بيّنة من الموضوع .

امراة عين الزانة

هالة عمران عضو لجنة المرأة و الأسرة و الطفولة بمجلس النواب صرحت  أن موضوع الهويات يدخل ضمن صلاحيات وزارة الشؤون الإجتماعية و هي المعنية بالأمر وهي التي يجب أن  تكلّف فريق عمل في هذا الملف و هي التي تمد اللجنة بالأرقام و الإحصائيات.

زرنا مجلس نواب الشعب محملين بصور و شهادات من لا هوية لهم في الشريط الحدودي مع الجزائر، فالتقينا فيصل التبيني النائب بمجلس نواب الشعب عن حزب صوت الفلاحين،بدت الصور حين عرضناها عليه مألوفة لديه فقد اعترف انه أصيل تلك المناطق من ولاية جندوبة  و أنه يتعامل يوميا مع عمال في مجال الفلاحة لا يملكون بطاقات هوية و لا يمتّون بصلة لهذه الدولة فلا شيء يربطهم بها و طفق التبيني يقول : “هؤلاء تونسيون غير معترف بهم  قانونيا و هم غير قادرين حتى على المطالبة بحقوقهم بل أخطر من ذلك يمكن أن يدخل شباب هذه المناطق دائرة الإرهاب و العنف والتهريب…هؤلاء لا تملك السلطات التونسية حتى إمكانية تتبعهم بالنظر إلى أنهم غير مسجلين أصلا في السجلات التونسية و غير مثبت اصلا انتماؤهم لتونس و في ذلك خطر كبير… ”

  شرّ البليّة فقدان الهوية …

هذه العائلات المنسية التي تعد بالعشرات و هذه الطفولة التي تغتال في بؤر النسيان أضحت مصدرا ملهما للإرهاب في الآونة الأخيرة.

شباب من هذه منطقة عين الزانة  قاموا بمحاولة تفجير المدرسة و آخرون قاموا بالسطو على أحد الدكاكين لحمل المؤونة للإرهابيين .هذه هي حقيقة الوضع في المناطق الجبلية المتاخمة للحدود الجزائرية هناك حيث تختبئ مجموعات إرهابية كثيرا ما تتعمد النزول من الجبال لمهاجمة المساكن و الحصول على مؤونتها.

فيصل التبيني اكد لنا أن هناك شبابا من منطقة عين الزانة التحقوا بصفوف المجموعات الإرهابية و منهم من ساهم في تنفيذ عمليات إرهابية و هم أصيلي هذه المنطقة .

يعتقد التبيني أن جل أهالي المناطق الحدودية لديهم من حب الوطن الكثير و الوطنية و الخوف من عقاب الله ما يحول دون إلحاق الضرر بالبلاد او العباد.فقال :”رغم تخلي الدولة عنهم لكنّهم لم يتخلوا عنها و طنيتهم أكبر من غيرهم خاصة أنهم على الحدود مع الجزائر..”

و أردف التبيني يقول في سياق حديثه عن سكان الشريط الحدودي بين تونس و الجزائر ممن لا يملكون هوية : “هؤلاء يذكّرونني بأدغال إفريقيا في القرون الوسطى.. انا شاركت مؤخرا كنائب عن البرلمان الإفريقي في إنتخابات أوغندا حيث ذهبت إلى قرى و أرياف و غابات بعيدة جدا لكننا وجدنا انهم مواطنون هناك كغيرهم لهم وثائق هوية و صناديق إقتراع …”

و يعتبر التبيني نائب البرلمان عن جهة جندوبة ان المشكل في تونس يكمن في غياب العدالة بين الجهات كما وجه نداء الى الدولة بان هؤلاء مواطنون يشاركون في الدورة الاقتصادية و من حقهم أن يتعلموا و يدرسوا الأطفال في هذه المناطق متميزون في الدراسة يحبون العلم و يشقون للوصول إلى مدارسهم بين الأراضي و الغابات و الخنازير و الذئاب  سيرا على الأقدام عديد الكيلومترات ….”

فاجئنا كلام نائب مجلس الشعب ،فهو في النهاية ضمن نواب البرلمان و هو من يحمل هموم هؤلاء .لكن التبيني لا يعتبر نفسه مسؤولا فيوضح قائلا :” مسؤوليتنا هي إيصال الواقع للناس المسؤولة في البلاد. انا لست في الحكومة و لست موجودا في السلطة و لا أستطيع تسجيل هؤلاء في سجلات الحالة المدنية . و لو كل شخص رأى في نفسه القدرة يأخذ المبادرة لحل مشاكل الآخرين عوض الدولة ستكون لنا دولة موازية الناس لا يفهمون ليس تقصيرا مني كنائب و لكن لا يمكنني التصرف مكان الدولة.نحن مهمتنا التبليغ و الكشف و إنارة الطريق أمامهم حتى يعلم بهم المسؤولين .هؤلاء مشاكلهم لا تقتصر على وثائق  الهوية بل أن لهم من المشاكل الاجتماعية الكثير لأنهم يفتقرون إلى ابسط مقومات الحياة من ماء و  الكهرباء والطريق و المدارس و المستشفيات …»

و يقول فيصل التبيني إن الدولة بمؤسساتها هي التي تتحمل المسؤولية من العمدة إلى المعتمد إلى الوالي الذين كان يجب أن يقوموا بواجبهم و كذلك المديرون الجهويون في مختلف القطاعات و المرشدون الإجتماعيون. كل هؤلاء يتحملون المسؤولية في بقاء عائلات بأكملها دون هوية.

اهلي عين الزانة

غياب مؤسسات الدولة و أجهزة الدولة عموما يسهّل للناس في هذه المناطق الحدودية  الاستقطاب من طرف أناس آخرين يعملون في مجال التهريب .

يؤكد سمير دريدي الناشط الحقوقي و المعلم أن سكان الشريط الحدودي فاقدي الهوية سيصبحون لقمة سائغة للإرهاب و المهربين اذا لم يقع الاهتمام بهم .و يضيف الدريدي في هذا السياق :” نحن كإطار تربوي نقوم بمجهوداتنا ونحاول  توعية التلاميذ وبث حب الوطن فيهم و في أهاليهم لان هؤلاء لا يؤمنون بحب الوطن الذي لا يفكّر حتى في خبزهم اليومي . هم يعيشون دون كرامة. فماذا يفعل من أجلهم هذا الوطن الذي سيبيعونه في أي لحظة كما وقع في العديد من المناطق؟ فالرجاء القليل من الاهتمام بالمناطق الحدودية لأنها بوابة الإرهاب لان هؤلاء يجب العناية بهم و توفير مواطن الرزق و الحاجيات الأساسية لهم لكي لا يصبحون يوما ما كارثة على البلد”..

و يضيف دريدي :”في ظل الغياب الكلي للدولة هؤلاء لا يحسون بالانتماء لهذا الوطن أصلا الذي لم يقدّم من أجله شيء بالضرورة لا يشعر بالانتماء إليه. فالأقرب إليه من يساعده أيا كان خاصة مع ظروفهم الاجتماعية الصعبة ..”.

عائلات بطم طميمها  خارج الدورة الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد التونسية و بقاء آلاف التونسيين دون هوية هو وصمة عار في بلد يدعي دفاعه على حقوق الإنسان .أو ليست الهوية هي أول مقومات حقوق الإنسان ؟

هكذا هو الوضع في عمق أرياف جندوبة و غيرها من الولايات الحدودية ،وضع مرير تزيده برودة الطقس قساوة و الفقر ينخر أركان الدولة التي يعيش على هامشها ألاف التونسيين .تونسيون لا انتماء لهم لهذا الوطن و لا هم في حسابات أصحاب القرار الذين  “تمسكوا بالكراسي و تخلوا عن الوطن ” على حد صرخة باحت بها صدور من لا هوية لهم.”

صور: رشدي خذير & مبروكة خذير