الغد أول صحيفة عربية مالية

المحكمة الجنائية الدولية تنظر 11 تحقيقا و27 قضية

بواسطة kibaru
فادي العبد الله المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية

الناطق الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية لـ''الغـد'' : "عددا كبيرا من الأمور داخل نظام روما الأساسي (نظام المحكمة الجنائية)  متطابقة مع الشريعة الإسلامية"

 
ينظر مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية أحد عشر تحقيقا أوليا، وسبعا وعشرين قضية في العالم، وذلك حسبما أوضح المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبدالله، مضيفا أن أوامر القبض على عدد من الأشخاص لا تصبح علنية إلا عندما يكون هنالك وسيلة لتنفيذها. 
وعلى هامش اللقاء الذي جمع وفدا من المحكمة مع الصحفيين الماليين في باماكو، أوضح العبدالله أن الوفد يسعى للقاء مجموعات ممن تعرضوا لجرائم قيد التحقيق في أروقة المحكمة، كما يهدفون لإقامة عدد من النشاطات مع فاعلين من المجتمع المدني من مختلف مناطق البلاد، للحديث عن دور المحكمة الجنائية و مهمتها في مالي.
 
ويظهر حوار صحيفة "الغـد" أول صحيفة عربية-فرنسية في مالي، مع فادي العبد الله، والذي تناول عددا من الموضوعات، تحركات مكتب المدعي العام للمحكمة في محاكمة أحمد أغ الفقي المهدي والسيد الحسن أغ عبد العزيز، كما تناولنا فيه ملاحقات المحكمة لبعض المجتمعات المحلية، ولماذا لا تطارد بعض الأسماء المسؤولة عن جرائم كبرى بدل القبض على بعض العناصر المجنّدة، ودورها التكاملي مع القضاء الوطني المالي. فيما يلي نص الحوار:
 
لماذا هذه المهمة؟ ولم قمتم بها في هذا التوقيت بالذات؟
 
فادي: نحن هنا في مالي ضمن وفد من المحكمة الجنائية الدولية، نسعى إلى توعية الناس على نشاطات المحكمة وبتطورات قضايا المحكمة سواء في موضوع التعويضات في قضية أحمد أغ الفقي المهدي أو في موضوع اعتماد التهم الموجهة بحق السيد الحسن أغ عبد العزيز، وذلك من خلال عدد من الأنشطة بدأناها من خلال وسائل الإعلام لإيصال المعلومات حول هذه القضايا وتطوراتها إلى الشعب المالي بصفة عامة، وإلى المجموعات التي قد تكون تضررت من جرائم قيد التحقيق وسوف يكون ذلك عدد من النشاطات الأخرى مع فاعلين من المجتمع المدني في مالي سواء من المنظمات الغير الحكومية أو من الفاعلين الآخرين من المحاميين وغير ذلك.
فالتوعية ضرورية حيث يتمكن المجني عليه من ممارسة حقوقه بالمشاركة لطلب التعويضات أمام المحكمة، ثم من أجل الرأي العام لكي يكون على بينة من عمل المحكمة وكي يستمر في دعمه لعمل المحكمة في موضوع مالي وفي التحقيقات الجارية .
 
ربما اليوم أقارب الحسن أغ عبدالعزيز أو أحمد أغ الفقي يتساءلون أين وصل هذا الملف تحديدا، ومتى تنتهي مدة سجن المهدي والحسن، متى يكتمل التحقيق ونصل إلى مرحلة المحاكمة؟
 
فادي: أولا في موضوع السيد الفقي المهدي هناك قرار صدر عليه بعقوبة تسع سنوات وينبغي احتسابها ابتداء من اللحظة التي تم تسليمه فيها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو حاليا يقضي هذه العقوبة ويمكن للقضاة في وقت معين أن يبتّوا بطلب تقصير هذه المدة إذا كان حَسَنَ السلوك، لذلك من الصعب الآن أن نحدد توقيت انتهاء هذه العقوبة، ولكن هي تسع سنوات ابتداء من لحظة تسليمه إلى المحكمة.
 
أما في موضوع السيد الحسن فقد وصلنا إلى مرحلة نسميها اعتماد التهم، أي تحديد التهم الموجهة إليه والتي يمكن تحويله إلى المحاكمة بناء عليها، وهناك أيضا حاليا إمكانية أن يطلب الدفاع الإذن باستئناف هذا القرار أو بتعديل التهم أو تخفيف عددها.
وبالتالي يجب أن ننتظر قليلا حتى نعرف هل سيكون هنالك استئناف أم لا بهذا القرار، وعندما يتم الاعتماد النهائي للتهم عند إذٍ يمكن للمحاكمة أن تبدأ، وقد تأخذ الوقت اللازم وفي بعض الحالات تكون المحكمة سريعة، مثلا في حالة السيد المهدي الذي أقر بذنبه واعتذر كانت محاكمة سريعة جدا.
أما في بعض الحالات الأخرى قد تكون المحاكمة أطول كثيرا بحسب طلبات المدعي العام وطلبات الدفاع وما سيدلون به من أدلة وإثباتات وشهود أيضا.
 
هل هناك توازن بين لجنة الدفاع ولجنة المدعي العام؟
 
فادي : نعم وفقا لنظام عمل المحكمة ينبغي أن يكون هنالك نوع من المساواة بين فريق الدفاع و فريق المدعي العام العامل على هذه القضية بالذات.
كما تعلمون مكتب المدعي العام يعمل على أحد عشر تحقيقا أوليا، وسبعا وعشرين قضية، وهنالك فريق يعمل فقط على هذه القضية، وبالتالي هناك توازن بين الفريق العامل على هذه القضية وبين فريق الدفاع.
ومن خلال عدد من الإجراءات تتكفل المحكمة بنفقات فريق الدفاع، والذي يتضمن عددا من العاملين في فريق الدفاع لضمان توازن التحقيقات والتثبت من أدلة المدعي العام وفريق الدفاع.
 
قد يطلب فريق الدفاع موارد ونفقات إضافية من قبل المحكمة أو من القضاة وفقا للحاجة، عندها يمكن أن نبحث في مثل هذه الطلبات إذا كان هنالك ضرورة حقا، يمكن للمحكمة أن تمنح فريق الدفاع الوقت اللازم لإجراء مثل هذه الإثباتات من الأدلة والشهود الذين يقدمون لمكتب المدعي العام قبل اعتماد القرار.
 
فيما يتعلق بالشهود هل المحكمة تحتاج إلى الوصول لبعض الشهود، وهل من الضروري أن تستمع لهؤلاء الشهود في لاهاي بالمحكمة، أم تكتفي بالاستماع لهم في تمبكتو مثلا؟
 
فادي: هناك حالات مختلفة سواء فيما يتعلق بالشهود الذين يقدمهم مكتب المدعي العام أو الذين يطلب شهادتهم فريق الدفاع هناك حالات مختلفة، ففي بعض الأحيان يمكن الاكتفاء  بإفادة الشهود وفي بعض الأحيان ينبغي أن يحضر هؤلاء الشهود إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفي أحيان أخرى يمكن لهم أن يدلو بشهادتهم من خلال قنوات الاتصال المسموعة والمرئية مثل "أسكايب " أو غيره من البرامج التي تسمح بأن يكونوا في مكان آخر غير المحكمة، ويكون هناك تواصل مباشر بينهم وبين الحاضرين في قاعة المحاكمة، وهناك حالات مختلفة تخضع لتقدير الادعاء وأيضا تخضع لحماية هؤلاء الشهود دون تعرضهم للخطر.
 
في مقابلة أجريناها مع ميليندا تايلور، محامية الحسن قبل يومين من تأكيد التهم الموجهة له، أكدت بأن الحسن بريء، لأنه لا يمكن أن يعاقب على تطبيق الشريعة فتطبيق الشريعة ليست جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب، ما تعليق المحكمة على هذا ؟
 
فادي : أولاً عن موضوع براءة السيد الحسن هو بريء حتى تثبت إدانته، وإذا ثبتت بعد إجراء المحاكمة وبشكل لا يقبل أي شك، والقضاء من يستطيع أن يحكم ببراءته، أنا شخصيا لا أستطيع، في هذا الموضوع القضاة وحدهم المكلفون بالبت في مثل هذه الأمور.
وطبعا هنالك احترام كامل لما نسميه قرينة البراءة أي اعتبار الشخص الملاحق أمام المحكمة بريء إلى أن يثبت عكس ذلك بعد إجراء المحاكمة على مستوى المبدأ القانوني، وعلى المستوى الآخر نظام روما الأساسي بحد ذاته لا يجرّم الشريعة الإسلامية أبدا، بل بالعكس حين نرجع إلى أصول القانون الجنائي الدولي سوف نجد أن هنالك عدد كبير من العناصر التي أتت من الشريعة الإسلامية.
تعلمون جيدا أنه في غزوات الرسول الكريم وكذلك وصية الخلفاء الراشدين بأنه لا يتم قتل أي أسير وبأن لا يتم تعذيب أي شخص ولا يتم الاعتداء على امرأة ولا طفل أو على عجوز أو على أي شخص لا يحمل السلاح فإن القى السلاح فهو آمن.
 
 الشريعة تنص على ما هو أبعد من ذلك فلا ينبغي على المقاتل أن يسمم بئرا أو يقطع شجرة، بهذا نرى أن الشريعة الإسلامية تضمن عدم ارتكاب جرائم، لذلك هنالك عدد كبير من الأمور داخل نظام روما الأساسي (نظام المحكمة الجنائية) التي هي متوافقة مع الشريعة فمثلا الإكراه على البغاء أو قتل الأبرياء أو غير ذلك من اعتداءات على المدنيين  كل ذلك هو أمر مدان ومجرم في الشريعة الإسلامية كما هو ومدان في نظام روما الأساسي.
 
السؤال إذا ليس هل الشريعة الإسلامية ضد نظام روما هذا مرفوض، لكن هل بعض التصرفات المنسوبة إلى السيد الحسن والتي تشمل الاعتداء على الأبرياء والقتل والاعتداء الجنسي وغير ذلك، هل يمكن اعتبارها تطبيقا للشريعة الإسلامية، وهل يمكن إثبات أنه هو مسئول عنها، هذه هي الأسئلة المطروحة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ووفقا لنظام روما مثل هذه التصرفات هي جرائم، وعلى حد علمي تعتبر مدان في الشريعة الإسلامية ولكن هل حصلت أم لا،  هذا ينبغي إثباته أمام القضات وهل السيد الحسن مسؤول عنها.
 
بعض المراقبين يتساءلون لم جرت محاكمة الحسن عن جرائم حرب أو تطبيق الشريعة في تمبكتو مع أن أسياده أو الذين كان الحسن يطبق أوامرهم يتجولون في العواصم بدون أي قلق أو توتر؟
 
فادي: بالنسبة لنا في المحكمة الجنائية الدولية نحن نتحرك وفقا للأدلة المتاحة أمام مكتب المدعي العام، التحقيقات مستمرة، وهنالك عمليات جمع في الأدلة سواء فيما يتعلق بملف الجرائم المنسوبة للسيد الحسن وجرائم أخرى، وبناء على هذه الأدلة قد يكون هنالك قضايا أخرى تتعلق بأشخاص آخرين.
 
وفي المحكمة لانحكم بناء على المناصب التي يتولاها شخص معين في إطار زمن ما أو تنظيم ما لكن بناء على الأدلة التي تربطه بالجرائم المرتكبة وهذا ما يفحصه أولا مكتب المدعي العام ثم يبت به القضاة كي يقولوا عما حصل ويصفوه بجرائم، وهل هو ثابت وهل الشخص الملاحق هو مسئول عن هذه الجرائم أم لا.
والمسئولية ينبغي إثباتها بالأدلة وليس فقط باسم المنصب الذي كان يتولاه هذا الشخص أو ذاك،  وكما ذكرت سلفا عملية جمع الأدلة هي عملية مستمرة وقد يكون هناك قضايا أخرى في المستقبل تتعلق بأشخاص آخرين.
 
عن شفافية واستقلالية المحكمة، الآن الشارع في الشمال المالي يتساءل دائما لم نحاكم الحسن والمهدي على جرائم تعتبر صغيرة تتمثل بهدم الطين (الأضرحة) أو أشياء أخرى، مع أن هناك قضايا أكثر خطورة في مالي منسوبة لأشخاص معروفين كالجنرال سانوغو المدان بمجزرة ضد أصحاب القبعات الحمر أي الحرس الرئاسي سابقا، ومجازر أخرى، ألا ترون بأن ملاحقات المحكمة تستهدف مجتمعا معينا؟
 
فادي : المحكمة تعمل بشفافية كامله ولا تستهدف فئة بعينها ولكن تستهدف أفعالا يمكن توصيفها بأنها إجرام.
مثلا في موضوع السيد المهدي المحكمة اعتبرت جريمة تدمير الأضرحة هي جريمة على قدر كبير من الخطورة، لأن هذه الأضرحة كانت أساسا ضمن هوية مجتمع تمبكتو، وكانت تؤمن للناس هويتهم لإحساسهم بأنهم ينتمون إلى نفس الجماعة، وكان هناك دورا اقتصادي ايضا لهذه الأضرحة، وبالتالي تدمير الأضرحة جريمة على قدر من الخطورة خصوصا بالنظر إلى طبيعتها الدينية.
أما موضوع السيد الحسن مع الجرائم المنسوبة إليه كما ذكرت هو يتمتع إلى الآن بقرينات البراءة، ولكن الجرائم المنسوبة إليه أكبر وأكثر تنوعا من الجرائم التي نسبت إلى السيد المهدي، حيث تتضمن الاعتداء على مباني دينية وتتضمن أيضا اعتداءات جنسية واضطهاد وزيجات قصرية مفروضة بالإكراه وغير ذلك من الأفعال التي يمكن وصفها بأنها جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية، وهي على قدر كبير من الخطورة ولكن يعود البت في مسئولية السيد الحسن عنها إلى قضاة المحكمة الجنائية.
 
وفيما يخص الجرائم الأخرى التي ذكرتموها أود أن أذكر أمرين أساسيين أولا أن المحكمة الجنائية الدولية تعمل بالتكامل مع القضاء الوطني المالي وبالتالي إذا كان القضاء الوطني يجري ملاحقات في جرائم معينة المحكمة لا تستطيع أن تجري ملاحقات في نفس هذه القضايا ولكن تترك الأولوية للقضاء الوطني، وهذا يفسر لماذا المحكمة لا تعمل على كل الجرائم التي حصلت في مالي ولكن فقط على جزء منها.
والأمر الثاني هو إن التحقيقات الجارية هي أمام المحكمة الجنائية الدولية هي مستمرة، لم نقفل التحقيقات في موضوع مالي هناك تحقيقات مستمرة وهنالك عملية مستمرة لجمع الأدلة وقد يوجد مشتبه بهم آخرون سواء فيما يتعلق بتمبكتو أو فيما يتعلق بأماكن أخرى في مالي.
 
 لا ينبغي أن ننظر إلى تحقيقات المحكمة على أنها استهداف لفئة محددة ولكن هي عملية مستمرة قد تتركز بادئ الأمر مثلا على تمبكتو في أول عدد من القضايا ومن ثم نستخدم مواردنا لأماكن أخرى فنبدأ في قضايا أخرى.
 نحن نتبع عملية الأدلة المتوفرة لدى مكتب المدعي العام وفي بعض الأحيان أوامر القبض على عدد من الأشخاص لا تصبح علنية إلا عندما يكون هنالك وسيلة  لتنفيذها، كما في موضوع السيد الفقي أو في موضوع السيد الحسن لم نعلن عن هذه الأوامر إلا بعد أن تم القبض عليهم وتحويلهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي هذا في بعض الأحيان قد يعتبره البعض أفضل لتنفيذ هذه الأوامر بينما إذا اعلنا مثلا عن الأمر ضد شخص متهم قد يشجعه ذلك على الهروب أكثر، بعض الأحيان نفضل بعض القرارات السرية إما من أجل تعزيز إمكانية هذا القرار او من أجل حماية عدد من الشهود مثلا الذين قد يكونوا في خطر إذا ما أعلنا عن هوياتهم.