الغد أول صحيفة عربية مالية
نهاية مهمة رئيس الوزراء في مالي

غاوا: إمبراطورية السُونغاي

بواسطة kibaru

تعدّ امبراطوية سنغاي من كبريات الامبراطويات الأفريقية, والتي نشأت في غرب أفريقيا. وكان تاريح البداية الحقيقية لهذه الامبراطورية وممالكها حوالي 1000 قبل الميلاد, وسقوطها الأخير كان في 1594 أو 1591م – وفق بعض المصادر. وكانت لها امبراطوريتان ومملكتان, أو أربعة مراحل – كما يقسمها بعض الباحثين.

شعب سنغاي:

كان شعب سنغاي مجموعة عرقية في غرب أفريقيا, يتحدث لغات سنغاية. ويرتبطه تاريخ ولغة مشتركة لإمبراطورية سنغاي الشهيرة. وكان الإسلام هو الدين الأساسي لهذا الشعب.

يشير “جيفري هيلث” (1999) إلى أن كلمة “سنغاي” تاريخيا لا تطلق على عرقية أو لغة معينة، ولكنها للطبقة الحاكمة للإمبراطورية السُنغاية. وقد اعتمدها المتحدثون في مالي كتسمية لمجموعتهم العرقية رغم أن المجموعات السنغاية الأخرى يعرّفون أنفسهم بأسامي عرقية مختلفة مثل “زارما” أو “جارما” (أكبر مجموعة فرعية من سنغاي).

إحدى جلسات الزواج لشعب سُنغاي في باماكو, مالي.

إحدى جلسات الزواج لشعب سُنغاي في باماكو, مالي.

 

ووفقا لتقارير, فإن اللغات السُنغاية دائما ما تصنف ضمن عائلة “النيلية الصحراوية”, ولكن هذا التصنيف مثير للجدل. ولذلك يرى البروفيسور “غيريت ديمندال” (2008) أن الأسلم في الوقت الحالي اعتبار “اللغات السُنغاية” كعائلة اللغات المستقلة وليست تابعة لأخرى.

وكعادة تاريخ جل الممالك الأفريقية وخاصة في بلاد السودان الغربي, فإن هناك اختلافات وتناقضات حول تاريخ ما قبل الميلاد لامبراطورية سُنغاي, ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن هناك إهمالا واضحا لتاريخها قبل مجيء الإسلام, للزعم بأن أفريقيا لم تعرف أي نوع من الحضارة قبل الإسلام أو قبل الاحتلال الأوروبي، والذي يؤدي من ناحية إلى تجاهل التاريخ الإسلامي قبل القرن الرابع الهجري، بسبب عدم الدقة العلمية إما بالخلط في تاريخ غرب إفريقيا بين قبول الناس أفرادا للإسلام وبين اعتناق الملوك له، ثم الخلط بينهما من جهة وبين قيام الحركات الإصلاحية الداخلية والخارجية.

ومن ناحية أخرى, كان الكتاب العرب دائما ما يركزون فقط في التاريخ الإسلامي للمملكة الرابعة لإمبراطورية سنغاي والتي أقامها آل أسكيا، وإلى تشتيت شعبها في العصر الحديث بين عدة دول في غرب أفريقيا, مثل مالي التي يوجد بها أكبر قبائلها، والنيجر, بنين، بوركينا فاسو، وغانا، وكون بعض الأجيال الحديثة من قبائلها لا يربطها بالجماعات الأولى لغة موحدة، لتشتتهم في عدد من الدول في أفريقيا الغربية. (إمبراطورية سنغاي: دراسة تحليلية, د. هارون المهدي ميغا)

الاسم والموطن:

تختلف “سنغاي” عن “صنهاجة” – على عكس ما يدعيه بعض الدارسين بسبب التشابه في حروفهما، وكان النطق الأصح للفظ “سنغاي” – كما دقق في ذلك الباحث المالي هارون ميغا – هو أن تنطق بسين مضمومة بحركة (O) اللاتينية، بعدها حرف مركب من نون وغين مخففين مع إطباق مؤخرة اللسان بالتجويف العلوي، ينتج عنه غنة تخرج من الخيشوم، يمدّ ذلك الحرف المركب منهما بفتحة قصيرة: “سُنْغَايْ”.

وهناك مؤرخون قدامى, ككعت صاحب الفتاش والسعدي وأحمد بابا, كتبوا الاسم هكذا: سُغَيْ، و سُنْغَايْ، و صُغَيْ. واشتهرت كتابة الاسم – في الكتب وبعض الدراسات الحديثة – بزيادة الواو بعد السين أو الصاد: سُونْغاي, صوْنغاي. وفي اللغة الإنجليزية: Songhai, أو Songhay.
تحمل هذه الامبراطورية اسم المجموعة العرقية التي تحكما، وهي السُنغاي. كان شعب سُنغاي من سكان الأنهر، حيث كانوا يبحثون عن الشواطئ والجزر في كل مكان نزلوا به. عاشوا قبل عبور النيل إلى الغرب – في جزيرة “فيله” (Philae) جنوب أسوان عند الشلال الخامس، حيث كانت المنطقة موطن الجماعات النوبية والأجناس السودانية الأخرى، قبل التشتت بعد عبور النهر.

ويذكر المسعودي (ت 346هـ) أنهم انتشروا بعد عبور النيل, “فسارت طائفة منهم ميمنة بين المشرق والمغرب وهم : النوبة ، والبجة ، والزنج ، وسار فريق منهم نحو المغرب ، وهم أنواع كثيرة ، نحو الزغاوة ، والكانم ، ومركه ، وكوكو (يعني بذلك مملكة سنغاي)، وغانه، وغير ذلك من أنواع السودان” (مروج الذهب للمسعودي 2/ 175).

640px-barthtimbuktu

كان لسنغاي أربع ممالك, منها ما ازدهرت إلى حدّ الشهرة ومنها ما لا يعرف عنها إلا القليل, ومع ذلك تعتبر من أقدم الدولة القديمة. وكما يقول د. أحمد شلبي في موسوعته للتاريخي الإسلامي : “دولة سنغاي من أطول الدول عمرا، فقد بدأت بذورها (أي مملكة سنغاي الثانية) في القرون الميلادية الأولى، وعاصرت إمبراطورية غانه، وإمبراطورية مالي، وانتهت غانه ومالي وبقيت سنغاي حتى سنة 1594م” (موسوعة التاريخ الإسلامي 6/246).

 

ممالك سنغاي ومراحلها:

كان لشعب سنغاي مملكتان وامبراطوريتان، ومنها تكونت المراحل الأربع لهذا الشعب العريق.

المملكة الأولى:
لقد حدد باحثون لهذه المرحلة بداية القرن السابع قبل الميلاد، أو أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، بناء على تحديد المؤرخين لما قبل التاريخ المكتوب بهذا العدد من السنوات. كما أن هناك اختلاف في تحديد زمن وصولهم إلى حوض نهر النيجر بين من يذكر القرن الرابع الميلادي، والقرن الخامس الميلادي، والقرن السابع الميلادي، أو القرن التاسع الميلادي.

ويؤيد من أرجع تاريخهم إلى حوالي أربعة آلاف سنة روايات عربية وأساطير عن الهجرات السودانية التي عبرت نهر النيل ثم تفرقا مشرقا ومغربا وجنوبا. ويؤيده أيضا رواية شفوية يتمّ تداولها بأن شعب سنغاي مشهور بالوثنية وتبحره في السحر, وأن بعض سحرتهم من مدينة كوكيا (تبعد حاليا عن مدينة غاو بحوالي 150 كيلومترا جنوبا) (58) كانوا ضمن سحرة فرعون الذين حشرهم من المدائن ليتحدى بهم موسى عليه السلام، كما قال تعالى: ( قالوا أرجه وأخاه وأبعث في المدائن حاشرين ) ( الشعراء 36 ). (تاريخ السودان للسعدي /4, إمبراطورية سنغاي دراسة تحليلية لهارون ميغا).

تكون شعب سُنغاي في بدايات تاريخه حول نهر النيجر من ثلاث مجموعات متناحرة، هي : “سركو” (sorko) أي صيادو السمك، و”غوي” (Gwai) وهم القناصون، و “الفري” (Afarai) وهم المزارعون، ويطلق عليهم – أيضا – “غاب غوي كي” Gabi Goy Kai أي الأيدي العاملة أو الممتهنون للمهن التي تحتاج إلى قوة بدنية.

تبادلت الجماعات الثلاث المذكورة السيادة في كوكيا العاصمة الأولى قبل الميلاد، وكانت مشهورة ومزدهرة في عام 300م، وتوحدت بعد أن انضمت هجرة أخرى من شرق إفريقيا إلى دندي – شمال ووسط جمهورية بينين حاليا, ومن هناك إلى كوكيا, وغاو، وأنشأوا ممالك كان آخرها وأوسعها إمبراطورية سنغاي الإسلامية، التي شملت جل أجزاء غرب إفريقيا الحالية.

من أشهر زعماء هذه المملكة الأولى “فاران ماكا بوتو” (Faran Maka Boto) الذي أسس مدينة غاو عام 690 ميلادي لتصبح العاصمة بدل كوكيا.

وبخصوص فترة انتشار الإسلام في أوساط شعب سنغاي, فإن ما هو مؤكد أنه عرف الإسلام في وقت مبكر، في النصف الأول من القرن الأول الهجري في الوقت نفسه الذي دخل فيه مصر. يقول الدكتور عبدالفتاح الغنيمي : “..والإسلام في غرب إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى قديم قدم الفتح الإسلامي لمصر، وأيضا الدعوة الإسلامية كذلك” ( حركة المد الإسلامي: 182). وهذا يؤيد ما ذهب إليه بعض الباحثين والأكاديميين الأفارقة إلى أن المرابطين ليسوا من جاءوا بالإسلام إلى بلاد السودان الغربي.

المملكة الثانية:
تتميز هذه الفترة لكون المملكة شهدت انتشار الإسلام بين ملوكها، وقد أسسها أسرة ” زا” والتي يُعدّ من ملوكها واحد وثلاثون, وأسلم منهم أكثر من سبعة عشر ملكا، منذ القرن الأول الهجري وكلهم ملقبون بـ (زا).

كانت بداية ظهور امبراطورية غانا في 300م أو القرن الأول الميلادي – حسب آراء البعض. وسقطت المملكة الثانية لشعب سنغاي بعد سقوط غانا بحوالي خمس وثمانين سنة, وكان ملك مالي بين عامي (1285 – 1300م ) قد غزاها وضمها إلى مالي، لكنها استقلت ثم سقطت على يدي منسا موسى الذي سيطر عليها لعشر سنوات بين عامي 1325 – 1335م .

المملكة الثالثة:
تأسست هذه المملكة في عام (1335م). وملوكها أسرة سني، ومؤسسها هو “سني علي كولن” وبمساعدة أخيه “سليمان نار” وذلك بعد التخلص من أسر ملك مالي منسى موسى، وهما ابنا “زا ياسبي”. وكان عدد ملوك هذه المملكة الثالثة 21 ملكا على الأصح. (إمبراطورية سنغاي دراسة تحليلية, د. هارون ميغا).

ظهرت سنغاي في مملكتها الثالثة كإمبراطورية إسلامية قوية في غرب أفريقيا، بعد سقوط امبراطورية مالي. وفي هذا العهد الذي يتزعّمه “سني علي” الكبير (1464 – 1492 م), شملت المملكة معظم غرب إفريقيا من المحيط غربا، وإمارات الهوسا شرقا، ووسط الصحراء شمالا، وبلاد الموسى جنوبا, واستمرت حتى مجيء أسرة أسكيا الثانية في عام 1492م، فدام حكمها إلى حوالي 157سنة.

المملكة الرابعة:
تعد المملكة الأخيرة لشعب سنغاي. وقد أنشأتها أسرة “أسكيا محمد” حوالي (1493 – 1594م ). وتولي مقاليد الحكم بعده في هذه الإمبراطورية الإسلامية أساك مستقلون عددهم ثلاثة عشر، امتدت فترة حكمهم إلى نحو قرن.

مدفن الملك أسكيا محمد.

مدفن الملك أسكيا محمد.

 

شملت المملكة في هذه الفترة كل غرب أفريقيا. وهي التي يقصدها الدكتور طرخان بقوله: “أقام شعب سنغاي الإفريقي أعظم إمبراطورية إسلامية أواخر العصور الوسطى (القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي) فاقت في سعتها وامتداد أطرافها إمبراطوريتي غانه ومالي الإسلاميتين، حتى قيل إن أحد طرفيها لايعلم شيئا عن الطرف الآخر هل هو في حرب أم في سلام” (إمبراطورية سنغاي، د. طرخان/ 5).

 

المصدر: أفريكا عربي