من منا لم يكن يعرف الخطوط الجوية الأفريقية في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي حيث كانت هذه الخطوط تربط بلدان غرب أفريقيا بوسطها وشمالها بجنوبها وتربط القارة بنظيراتها الأوربية والأمريكية...
كانت تصل رحلاتها إلى 12 ساعة للرحلة الواحدة وكانت تنزل في كل بلد أفريقي مهما كانت مسافة التقارب بينها فقد كانت تنزل مثلا في عاصمة بينين ب بورتو نوفو او كوتونو ثم تهبط بعدها من على العاصمة التوغولية وليس بينهما إلا رحلة ساعة في السيارة ...
المهم أن الخطوط الجوية ومنذ تأسيسها الثاني في 1961م بعد الاستقلال مباشرة كانت الشبكة في أوج قوتها ريما بسبب الروح الاستقلالية التي كانت تدفع الأفارقة لتبني سياسة استقلالية وعمل معظم القادة إلى إنجاح هذه التجربة الأفريقية الفريدة وكانت تمثل الرافد الوحيد الذي يعتبر تجسيدا لروح المنظمة الأفريقية ، وكانت عاصمة ابيدجان هي مقر الخطوط ..
وقد ساهم في تأسيسها 11 دولة مستعمرة من فرنسا ؛ منها الكاميرون والجابون وساحل العاج وفولتا العليا بوركينا فاسو حاليا والدولة العربية الوحيدة كانت هي موريتانيا ،
كان هنا رضى عام عن خدمات الخطوط وكانت مستوى الأداء رائعا وحتى في احترام الأوقات والمواعيد كانت في المستوى وهذا يدل على نوعية الأيدي العاملة وقتها ...
بعد السبعينات انسحبت الكاميرون والذي كان يعتبر مهندس الفكرة لتأسيس شبكة خاصة ربما ارتأت انها تستطيع ذلك نتيجة النجاح الباهر التي حققتها الشبكة الافريقية ؛ ثم انسحب الغابون والتي صاحبت انفجار البترول في هذه الدولة الصغيرة وأسست شبكتها الخاصة والتي كانت من الشبكات المحلية القوية حتى يقال إن أخذ الطائرة بين مدن الغابون كانت أقل تكلفة من السفر عبر الباصات وهذا هو السر في عدم وجود طرق معبدة في هذه الدولة بالشكل الذي كان يتوقع حيث كانت الرحلات الداخلية عن طريق الطائرات ولم تخل محافظة ولا اقول إقليما من مطارات لوفرتها في البلاد ..
انسحبت موريتانيا والسنغال في الثمانين ثم بدأت الشبكة تقلل رحلاتها وأصبح الناس يزهدون عنها وتمّ إركاع المؤسسة رغما عنها وبدأت تظهر بقوة الخطوط الجوية الفرنسية التي قضت نهائيا على الخطوط الأفريقية وأصبحت هي التي تحصل على عقود وصفقات مع الدول الأفريقية الفرانكفونية واصبح الرؤساء والقادة يستقلونها في رحلاتهم الرسمية والخاصة ...
وأغلقت الخطوط أبوابها عام 2001م لتنتهي بذلك سقوط أول تجربة جوية أفريقية والتي ما زالت الذاكرة الأفريقية تحتفظ بأعمالها الكبيرة على مستوى القارة وفرضت نفسها على العالم ...
وهنا نسجل أن الخطوط التي تم إنشاؤها على أنقاض الخطوط الأفريقية لم تنجح بشكل جيد وخاصة في أفريقيا الفرانكفونية ، وخطوط مالي توقفت تماما بعد سقوط طائرتها الوحيدة وغينيا ايضا فشلت والسنغال وساحل العاج حاولت الوقوف لكن دون المستوى .. وبقيت لكل دولة عدة طائرات تستخدم في رحلات الرئيس وليس لنقل المواطنين والمسافرين .. وانتهت فكرة الرحلات الجوية الكبرى على مستوى القارة وكلها فشلت في إيجاد البديل ...وبقيت كل هذه الخطوط تتقوقع على نفسها دون شيء يذكر ..
ويستثنى من ذلك بعض دول شمال أفريقيا واقصد بالذات المغرب والذي ما زال الرقم الثالث على مستوى القارة والخطوط الجزائرية تحاول وتستميت في البقاء ..وتونس أيضا حاولت البقاء حتى قبل الثورة التونسية كانت من أفضل الرحلات ... والدولة الإثيوبية هي التي بقيت في الصدارة ثم جنوب أفريقيا حتى فترة أخيرة...
وقد حاول الراحل القذافي إعادة فكرة الخطوط الجوية الأفريقية منذ أواخر التسعينات ونجح نوعان لكنها لم تكن لتصل إلى مستوى الأولى؛ ربما يرجع ذلك إلى عدم وجود الرؤية الأفريقية المشتركة التي كانت من قبل ...
المهم كانت هذه تجربة ناجحة ودليل على أن الأفارقة يمكنهم أن ينجحوا متى ما اتحدوا وابتعدوا عن المصالح الخاصة والآنية ؛ ونبذوا سرعة تقديم الولاء الأعمى للمستعمر في ظل انه لا يبحث إلا عن مصالحه الخاصة ...
وهناك دعوات هذه الأيام تطرح عبر المنصات الأفريقية المختلفة لإعادة التجارب وأصبح شباب مواقع التواصل الاجتماعي يطرحون هذه الأفكار الجديدة فهل سينجحون في إيصال أصواتهم إلى القادة ... ننتظر ذلك وإنا هنا لمنتظرون.....
حمدي جوارا
باريس-فرنسا