الغد أول صحيفة عربية مالية

بعد هدوء العاصفة... قراءة في هدم بارات تومبكتو

بواسطة kibaru

بعد مرور اسبوع على المهرجان الإسلامي الذي أقيم في قصر الثقافة بالعاصمة المالية / باماكو برئاسة فضية الشيخ/ محمود ديكو رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في مالي ،

سألني أحد زملائي ما موقفك مما حدث في تومبكتو من هدم للبارات وهل موقفك هو موقف الشيخ /ديكو ؟؟؟ قلت له حينها أنا متوقف وما قمت به هو نقل خطاب ديكو وليس موقفا مع موقفه ضد أم مع ....

حقيقة أنا متوقف في هذا الأمر المهمّ أن لدي عدة نظرات في هذا الشأن وقد لا يتفق معي الكثير في هذا لكن دعوني أطرحها ونتناقش بهدوء معها .....

أولا : في رأيي أن هدم البارات لا يمنع الناس من شرب الخمر . وأنا أريد أن أعرف ماذا فعله دعاة تومبكتو في إقناع هؤلاء من ان يمتنعوا عن هكذا تجارة لهذا العمل وهل تمّ اتباع الطرق والقنوات الرسمية من أجل منع هذا .. لا اعتقد أن شيئا من هذا حدث .. ثم ما هو المشكل في ظل فرض الأمر الواقع وهو الحاصل في كل الشمال ... لماذا لا نتبع طرقا أكثر دهاء وهدوءا ..

ثانيا: كلنا فرحنا لتصريحات الشيخ ديكو في المهرجان الجماهير حين رحّب بما قام به شباب تومبكتو لكن مع قليل من التفكير تجد أن ما قاموا به من هدم يكن هناك دراسة جادة لمعرفة عواقب هذا العمل كما قال احد أصدقائي النشطاء .. والأولى بنا أن نعود لتقييم الخطاب بعد أن كان كان الأسبوع ساخنا ....

وثالثا : تغيير المنكر ينبغي أن يكون حسب المراحل التي حدّد الشارع من التغيير بالقول ثم اللسان والعمل وذهب معظم العلماء بأن التغير باليد يكون فقط مع السلطان وتنفيذا من السلطات العليا .. ولا ننسى أن الرسول ص لم يهدم اصنام مكة إلا بعد هدمها في عقول وقلوب أهل مكة، ولولا أن قوم عائشة حديثي عهد بإسلام لبنى الكعبة على قواعد ابراهيم...

ورابعا : تغيير المنكر إذا أدى الى منكر أكبر منه فإنه البقاء على المنكر الموجود أولى من الدخول لما هو أشنع منه وهذا الحادث سيترتب عليه فساد السمعة والاتهام بالتطرف والقول بوجود داعشيين من بين صفوف الشباب ومن ثمّ قطع المساعدات ودخول الجميع في حالة فقر وصعوبة في الحصول على المواد الأولية ... باختصار ما ينتج على ذلك من أضرار للجماعة الإسلامية ويسع الفرد ما لا يسع الجماعة ؛ كل هذه القواعد ينبغي مراعاتها في الفعل السياسي ..

خامسا : أن الذين هدموا البارات سرقوا ما فيها من أمتعة وأثاث وكل مرافق تلك الأماكن ومعلوم أن حد الخمر لم يحدد في القرآن بينما حدّ السرقة قطعها فهل سنجد من يقطع أيدي هؤلاء الذين سرقوا وماذا نفعل في هذه الحالة ..

سادسا: الإشادة بهذا العمل سيؤدي ببعض الشباب بالقيام بمثله في العاصمة وحينها ستكون هناك أزمة مع الدولة إذا الدولة ستعاقب بالفعل من يقوم بعمل كهذا وسيؤدي الى استهداف الفنادق والبيوت الخاصة وغيرها بدعوى أن فيها خمر من الشباب ، فهل سيخرج الشيخ ديكو ويؤيد ذلك ، وكيف يفهم حينها إدانة هدم المقابر من قبل الداعشيين في بدايات الأزمة والتي أدنّاها جميعا ..

هل سيكون حينها هدم المقابر كهدم البارات سندين كليهما حينها ...

سابعا : ماذا سنقول حين نسأل ماذا فعلتم مع الذين يسرقون الدولة ويهبونها ويذهبون للعلاج في الخارج على نفقة الدولة .. هل هؤلاء السارقون أقلّ جرما من بائعي الخمر ومالكي تلك البارات ..ما رأيك أن يكون الذي يسرق مالك العام هو هو من يرتاد هذه البارات وهو الذي تمدحه انه مسلم ويرتاد المساجد ويحب المسلمين ويستفتح خطاباته بالبسملة وينهي طموحاته السياسية ب'' إن شاء الله " وقد تبين لك أنه أكذب الكاذبين ...

ثامنا : لا أقول بعدم تغيير المنكر ومحاولة استنفاذ كل الطرق السلمية لتغييره وقد أظهرت طرق كثيرة نجاعتها .. ذكر لي مرة أنه في إحدى أحياء العاصمة ماتت صاحبة بار ولم تجد أي إمام ليصلي عليها ، لم يجد الأبناء الى حاجتهم سبيلا فقرر الابن الأكبر مع الآخرين وقدموا فكرة تحويل البار الى مسجد يذكر فيه اسم الله الى اليوم ...

تاسعا : ينبغي أن لا ننسى أن هناك من يترصد الأخطاء حتى من في الصف المسلم ممن يناوئون التيار الصاعد وهم مستعدون لاستغلال أي خطأ من تصريحات القادة لتشويه صورة خصومهم وما حدث في بدايات الأزمة لا يخفى على أي واحد منكم .. ولا ننسى انه استغل هذا التأييد من قبل الخصوم مع ممثلي وزراة العدل والدولة فهل يستطيع الجماهير التصدي لكل ذلك مع الضغط الغربي ...

عاشرا : ذكرت أكثر من أن خطاب القادة يحتاج في صياغتها إلى فريق عمل وجماعة أشبه ما تكون أن تكون علمية بحيث لو خرج المتحدث عن الموضوع يكون من السهل الرجوع إلى الوراء ولا ينجرف وراء التصفيقات والتكبيرات ... فهذا من شأنه أن يوقع المسئولين في أخطاء قد لا تكون محسوبة .

هذه النقاط التي ذكرتها للذين يفهمون العلم والحوار وليس لمن يعرفون السب والشتم والتكفير ...

حمدي جوارا/باحث في الشؤون الإفريقية

باريس .. فرنسا

Sadjidah11@yahoo.fr