*عكرمة الأنصاري
أفريقيا هي القارة التي يمكن وصفها بأنها لم تكتشف بعد بما فيه الكفاية، ومازالت قابلة للتشكل بكل أنواع الطيف السياسي والثقافي وبالطبع الاقتصادي، فخيراتها لم تستغل بعد، ناهيك عن هوياتها السائلة التي لم تأخذ صورتها النهائية بعد.
لنأخذ منطقة الساحل على سبيل المثال فهي على حيويتها لم تأخذ شكلها النهائي بعد فالفراغات السياسية والثقافية والاقتصادية واضحة لكل مراقب، فرغم السابقة الاستعمارية للدول الأوروبية وخاصة فرنسا وبريطانيا إلا أن ذلك لم يمنع من وجود فجوات كبرى يمكن لأي قوة دولية كانت أو إقليمية الدخول من خلالها، فالجميع يرى التغلغل الصيني على المستوى الاقتصادي وسحب البساط من تحت الدول الاستعمارية التقليدية، إضافة إلى النفوذ الأميركي العسكري المستجد، كما تحاول إيران بدورها التسلل من خلال عمليات التبشير المذهبي مستغلة بعد تلك الشعوب عن الهواجس الطائفية الموجودة في المشرق العربي وعدم إداركها للمرامي الإيرانية، إضافة إلى مشكلة الإرهاب والجماعات التي تدعي الجهاد والتي نشرت الرعب والخراب في المنطقة بعد أن كانت واحة للتسامح، وأدخلته في دوامة صراعات لا أفق قريب لنهايتها، وخلخلت نسيج المجتمع بتقديم قراءة مغلوطة للنصوص الشرعية، وتكاد تكون المملكة المغربية الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت النفاذ من خلال أدواتها الناعمة لتلك المنطقة وهي كثيرة سواء عبر صلاتها التاريخية بشعوب المنطقة أو من خلال الأدوار الدينية التي يقوم بها مشايخ الطرق مع الأخذ بالاعتبار المرجعية المالكية لمسلمي دول الساحل، وكذلك البعد الاقتصادي عبر ضخ الاستثمارات في تلك الدول.
أجزم أن المملكة قادرة على ملء هذه الفراغات فمكانتها الرمزية تجعلها صديقاً طبيعياً لكل الشعوب الإسلامية، وهذه الشعوب دوماً تتطلع إلى الدور السعودي دون أي حساسية لثقتها في الدور التاريخي للسعودية ودورها في خدمة الحرمين، كما أن المملكة هي المرجع الديني الأول لكل مسلم، وهذا شعور فطري قل من ينكره حتى وإن تظاهر البعض بعكس ذلك.
وأعتقد أن المملكة ودول الخليج تستطيع تقديم البديل الثقافي والاقتصادي والسياسي، وستجد ترحيباً واسعاً من قبل تلك الشعوب التي ملت من الاستغلال الأوروبي ومطامع بعض الدول الإقليمية، كما أن الدور الخليجي سيساهم ولا شك في تعرية الحجج التي تتذرع بها بعض الجماعات المتطرفة وادعائها تمثيل السلفية فالوعي فيما يتعلق بالسلفية ليس كبيراً في تلك النواحي ويسهل التلاعب بالمصطلح سواء من قبل الحركات التي تزعم أنها سلفية أو من قبل إيران التي تسعى لشيطنة السلفية عبر ربطها بجماعات العنف وتقديم إسلامها على أنه صديق للإسلام الصوفي المنتشر في تلك الجهة المهمة من العالم.
كما أن المملكة ومعها دول الخليج قادرة على ضخ الاستثمارات في المنطقة وتعميم نماذجها التنموية على تلك الدول فهي مازالت دولاً في طور البناء مع موارد بشرية ومواد أولية لم تدخل دورة الإنتاج، وفي الجانب السياسي تستطيع المملكة القيام بدور الوسيط فهي طرف مقبول ومرحب به، ولا توجد أي حساسيات نحوها من أي جهة، الفراغ قد يملؤه أي كيان، لكن المملكة الأقدر على شغل الحيز باقتدار وحياد.
جريدة الرياض