محمد محمود أبو المعالي/كاتب مختص في شؤون الحركات الجهادية
طالعت مقالا تحليليا عن نتائج قمة دول الساحل الخمس في بامكو، نشرته بعض المواقع والصحف المالية جاء فيه أن موريتانيا تعتبر "الملاذ الآمن، والقاعدة الخلفية للجماعات الإرهابية في المنطقة". ومن بين ما ساقه كاتب المقال من تهم وأدلة عليها، ماتقوم به بعض وسائل الإعلام الموريتانية المستقلة من نشر لبيانات وأخبار تلك الجماعات، وقد فات على المعني أن الصحافة مهنتها تقصى الأخبار ونشرها بغض النظر عن صانع تلك الأخبار أو الأطراف الفاعلة في أحداثها، وأن مثل تلك البيانات والأخبار تعتبر سبقا صحفيا تتصارع عليه كبريات المؤسسات الإعلامية عبر العالم، بل لعله لم يعلم أو نسي، أن قناتي "سي أن أن" و" فوكس نييوز" الأمريكيتين هما أول قناة تلفزيونية تجري مقابلة مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، ولم يسمهما واسم بالترويج للإرهاب، وأن جريدة "نييورك تايمز"، هي أول من أجرى مقابلة مع "أبو مصعب عبد الودود" أمير تنظيم القاعدة ببلاد الغرب الإسلامي سنة 2008، أم أنه يكون ترويجا للإرهاب حين يتعلق الأمر بالصحافة الموريتانية، وسبقا صحفيا مهنيا حين يتعلق بغيرها، بل فات عليه أيضا أن هذا السبق الصحفي الذي تحصل عليه بعض المؤسسات الإعلامية في موريتانيا مكن تلك المؤسسات من التصدر عالميا في بعض الأوقات، وأن عشرات من وسائل الإعلام الدولية تغبطها ذلك وتسعى لأن تحظى ولو بجزء يسير من ذلك السبق، بل وأكثر من ذلك لم يقل الكاتب في تحليله، أن كل البيانات والأخبار التي تنشر في الصحافة الموريتانية تأتي من داخل الأراضي المالية.
كما تضمن المقال التحليلي حديثا عن وجود الجماعات المصنفة إرهابية في موريتانيا، باعتبار أراضي هذه الأخيرة باتت قاعدة خلفية لتلك الجماعات، وبصفتي باحثا في هذا المجال وصحفيا واكبت الأحداث المتعلقة بتلك الجماعات خلال السنوات الماضية، وتنقلت في أرجاء الصحراء الكبرى وداخل الأراضي المالية، وقابلت قادة الجماعات وبعض عناصرها، أتذكر أن كل القادة الذين قابلتهم والعناصر الذين تحدثت معهم أكدوا أن أول خروج لتلك الجماعات من الأراضي الجزائرية كان سنة 1994، إبان تنامي أنشطة "الجماعة الإسلامية المسلحة"، وكانت الأراضي المالية أول ما وطأته أقدامهم، فاتخذوا منها ومن صحراء النيجر سبلا فجاجا وطرائق قددا لتهريب السلاح إلى داخل الجزائر، وظلت الأراضي المالية معبرا ثابتا لهم بدون مضايقة أو مزاحمة، إلى أن كان يوم 30 يونيو عام 2000 حين اندلع اشتباك عنيف بين عناصر من "الإمارة التاسعة" في "الجماعة السلفية للدعوة والقتال بقيادة "المختار بلمختار" من جهة، وبين الطيران الحربي الجزائري من جهة أخرى، انتهى مساء بعد لجوء "بلمختار" وستة عشر من مقاتليه الجزائريين، إلى داخل الأراضي المالية، ويومها قرر "المقاتلون الجزائريون"، أن تلك البلاد تعتبر الملاذ الآمن لإنشاء "قاعد خلفية" للدعم والمساندة لقيادتهم وعناصرهم داخل الأراضي الجزائرية، فقرروا الإقامة فيها واتخذوها موطنا لهم لتدريب وتأهيل المقاتلين، وشراء السلاح وتهريبه إلى الجزائر، واستقبلوا في تلك "الأراضي المالية" "أبو محمد اليماني" مبعوث زعيم القاعدة "أسامة بن لادن" إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية"، وأقام زهاء تسعة أشهر متنقلا بين المعسكرات والجبال والصحاري داخل "الأراضي المالية"، قبل أن يدخل إلى الجزائر حيث وقع في كمين للجيش وقتل هناك، وفي سنة 2003 دخل قائد المنطقة الخامسة في الجماعة السلفية "عبد الرزاق البار" إلى الأراضي المالية مصحوبا بأكثر من ثلاثين رهينة غربية اختطفهم من جنوب الجزائر، ومنذ ذلك التاريخ اتخذت جماعته بقيادة "عبد الحميد أبو زيد" من الشمالي المالي موطنا لهم حتى اليوم.
وفي "الأراضي المالية" استقبل قادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال، المبعوث الثاني لأسامة بن لادن (يونس)، إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وهو يحمل معه شروط قبول "بن لادن" بيعة الجماعة وانضمامها إلى القاعدة، وفي "الأراضي المالية" ولدت "إمارة الصحراء الكبرى" التابعة للقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، والتي تشكل اليوم أكبر فرع للتنظيم بل هي قوته الضاربة وفرعه الذي فاق الأصل عددا وعدة، وفي "الأراضي المالية" تأسست الكتائب والسرايا التابعة لإمارة الصحراء وتوسعت وتشعبت، مثل كتيبة "الملثمون" و"كتيبة طارق بن زياد"، و"سرية الفرقان" و"سرية الأنصار" و"سرية القدس" و"سرية يوسف بن تاشفين"، وفيها تأسست "جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، ومن بعدها تأسست "جماعة المرابطون"، وفيها تأسست "جماعة أنصار الدين"، وقبل سنتين ونيف تأسست فيها أيضا "كتائب تحرير ماسينا"، ومن الأراضي المالية اتخذت الجماعات الجهادية مخابئ للرهائن الذين يتم اختطافهم من المنطقة.
هذه مجرد نماذج فاتت على كابت المقال التحليلي، لم يذكرها لتعزيز حديثه عن اتخاذ الجماعات الموسومة بالإرهاب، من موريتانيا وأراضيها قاعدة خلفية لها.
أما عن استهداف تلك الجماعات لبعض دول المنطقة مثل مالي وبوركينافاصو وكوت ديفوار والنيجر وتنفيذ هجمات داخل أراضيها، وإبعاد موريتانيا من دائرة تلك الأهداف، خلال السنوات الخمس الماضية، فلو أن كاتب المقال طالع ما نشرته بعض وسائل الإعلام الموريتانية من تصريحات لقادة تلك الجماعة ـ وهو على دراية بها كما قال ـ لعلم أنهم توعدوا يومها باستهداف الدول التي تشارك في الحرب الفرنسية ضدهم، وتحييد من حيدهم، وكل البلدان التي تعرضت لهجماتهم، توجد قوات لها في شمال مالي، أما ما قبل ذلك، فالحرب ظلت سجالا بين موريتانيا وتنظيم القاعدة، من لمغيطي إلى باسكنو، مرورا بالغلاوية وحاسي سيدي وغابة وقادو ونواكشوط وغيرها (السياق هنا زماني لا مكاني).