الغد أول صحيفة عربية مالية
نهاية مهمة رئيس الوزراء في مالي المونسما تغلق أخر معسكراتها وتغادر مالي مالي: مساع دبلوماسي

ما هي جماعة "أنصار الإسلام في بركنافسو"..؟ /تدوينة

بواسطة kibaru
صورة إبراهيم ديكو الملقب "لمعلم"

تبنت "جماعة أنصار الإسلام" في بركنافاسو الهجومين الذين تعرض لهما مركزان أمنيان تابعان للشرطة البوركنابية في شمال البلاد، وذلك بعد شهرين على تبنيها لهجوم آخر استهدف معسكرا للدرك هناك، فما هي حقيقة هذا التنظيم الجيدي، وكيف ظهر فجأة إلى العلن، ونفذ هجمات عنيفة في بركنافاسو، التي ظلت بمنأى عن نشاطات الجماعات الجهادية رغم انتشارها في مناطق محاذية لها طيلة خمسة عشر عاما مضت على وجود الحركات الجهادية في شمال مالي.
يقول العارفون بالمنطقة إن الحركة الجديدة التي يقودها "إبراهيم ملام جيكو" (الصورة)، المنحدر من منطقة "ديبو" في شمال بركنافاسو، تأسست نهاية العام الماضي، على يد عناصر أغلبهم من قبائل الفلان القاطنين في المناطق الحدودية بين بركنافاسو ومالي، حيث توجد قرى وتجمعات سكانية عرف أهلها خلال العقود الماضية بانتشار السلفية بينهم، ومناوأتها للطرق الصوفية ذات الامتدادات الكبيرة هناك، وهي حالة تشكل امتدادا لتيار سلفي قوي ظهر في ستينيات وسبعينات القرن الماضي، في تلك المناطق، وانبثقت عنه حركات كبيرة مثل "جماعة إزالة" ذات التوجه السلفي العلمي في نيجريا والنيجر، ولاحقا "جماعة بوكو حرام" في شمال نيجريا، ذات التوجه السلفي الجهادي، واشتهرت تلك القرى المنتشرة على الحدود بين في مالي وبركنافاسو، بانعزالها عن الدولة المركزية، في شكل رفض لها، تجسد في شبه مقاطعة سلمية وعزوف عن مدارسها وخدماتها، وقد انخرط مقاتلون من تلك القرى عام 2012 في صفوف "جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" إبان سيطرتها على مدينة "غاوا" في شمال مالي، بعد وصول موفد من تلك القرى إلى "غاوا"، ولقائه بقادة الجماعات الجهادية المسيطرة على المدينة، ومفاوضتها بشأن الالتحاق بها والعمل تحت رايتها، وشكلوا في تلك المرحلة السواد الأعظم من مقاتلي "جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، إضافة إلى مقاتلين محليين من العرب والصونغاي، وجماعة "الملثمون" التي كان يقودها "المختار بلمختار" واشتركت مع "التوحيد والجهاد" في تسيير "منطقة غاوا الكبرى" والسيطرة عليها، وبعد حل "جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" في شهر أغسطس عام 2013 واندماجها مع "الملثمون" في "جماعة المرابطون"، انخرط معظم المقاتلين الفلان البركنابيين، في التنظيم الجديد وبقي آخرون على صلة فكرية وإيديولوجية به، وعشية الانشقاق الذي قاده "عدنان أبو الوليد الصحراوي" عن تنظيم المرابطون في مايو عام 2015، حين بايع تنظيم "الدولة الإسلامية"، وسمى مجموعته باسم "جماعة الدولة الإسلامية في مالي"، انشق معه عناصر من المجموعة البركينابية، أسس بهم لاحقا تنظيما فرعيا عرف باسم "جماعة الدولة الإسلامية في بركنافاسو"، ونفذ عدة هجمات استهدفت الجيش في شمال بركنافاسو، بينما بقيت مجموعة أخرى وبعض القيادات في صفوف "المرابطون"، لذلك كان لزاما على قيادات القاعدة التحرك بشكل جدي وجديد، حتى لا تخلو الساحة البركينابية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ولقطع الطريق على توسعه في المنطقة، فسعى زعيم المرابطون "المختار بلمختار" ـ حسب المعطيات ـ إلى دعم تشكيل نواة تنظيم جديد ذا طابع محلي وربما عرقي، يشكل في بعض تجلياته امتدادا لجماعة "كتائب تحرير ماسينا" الفلانية المالية، باعتبار الشراكة في العرق والقومية والتركيز على الشأن المحلي، وإن كانت "جماعة كتائب تحرير ماسينا" تتبع تنظيميا لجماعة أنصار الدين" بعد مبايعة أميرها "محمدو كوفا" لأمير أنصار الدين "إياد أغ غالي"، فإن جماعة "أنصار الإسلام في بركنافاسو" تؤكد حسب مقربين منها، تمسكها باستقلالها عن سائر التنظيمات الجهادية، مع التنسيق والتعاون معها، وابتعادها عن "منهج تنظيم الدولة الإسلامية لصالح منهج القاعدة" ـ حتى الآن ـ، وهنا يمكن من باب التحليل أن نتلمس في عدم إعلان الحركة الجديدة بيعتها للقاعدة، مؤشرات على الإستراتجية الجديدة للقاعدة، والتي تتيح لفروعها والجماعات التابعة لها في شتى أنحاء العالم، إعلان فك الارتباط تنظيميا بها، أو عدم إشهار ذلك الارتباط على الأقل، لمصلحة العمل المحلي، وبحثا عن تعزيز وتكريس الحواضن المحلية، بإقناعها بالتخلص من الأجندات الخارجية التي قد تدفع تلك الفروع وحواضنها ثمنا للعلاقة العلنية بها، أو تتعارض مصالحها وأهدافها مع المصالح المحلية، أو تستدعي عداوات خارجية لها قد لا تكون مستعدة لمواجهتها، ولعل إعلان "جبهة النصرة" ـ سابقا ـ في سوريا فك الارتباط بتنظيم القاعدة، يشكل حالة من تطبيقات تلك الإستراتجية.
 والواقع أنها لم تكن أول تجربة لتنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" في دعم تأسيس جماعات بالمنطقة تدين لها بالولاء، أو تتحالف معها على الأقل وتشاطرها المنهج وتشاركها المصالح، على حساب منشقين عنها، فقد عمدت أواخر عام 2011 إلى تأسيس جماعة "أنصار المسلمين في بلاد السودان" (أنصارو) في شمال نيجريا، بقيادة "خالد البرناوي" بعد إعلان زعيم جماعة بوكو حرام "أبو بكر شيكاو" فك الارتباط بتنظيم القاعدة.
وباختصار فإنه ليس من الشطط القول إن "جماعة أنصار الإسلام" في بركنافاسو هي نسخة بركنابية من جماعة "كتائب تحرير ماسينا" المالية، مع اختلاف في الولاء التنظيمي، وتركيز كل طرف على ساحته المحلية، والاشتراك في التعاون مع باقي التنظيمات الجهادية في المنطقة تدريبا وتسليحا ودعما لوجستيا وبشريا.
 
محمد محمود أبو المعالي/كاتب مختص في شؤون الحركات الجهادية