حسين أغ عيسى/ صحفي وناشط سياسي
مضى أكثر من عامين من عمر التوقيع على اتفاق السلام و المصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر من دون أن يطرأ عليها أي تطوّر يخرجه من فم قال قائل قيل، أو سيفعل فاعل دون مفعول به، لا بل هذا الملف يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وتستمر مع ذلك حالة الترقب السلبية للمدى البعيد، حيث يوضح بأن لا أحد من الماليين يملك أي فكرة للخروج من هذه الأزمة، إذا قلنا الماليون نعني حتى من يسمون أنفسهم الأزواديون، ففي داخل حركات سيما وبلاتفورم الأفق مقفلة وذلك هو حال الحكومة المالية التي هي المحرك الأساسي لكل من الإثنتين.
لاشك بان مصير الاتفاق بين الفرقاء الماليون ما زال في مدار الانتظار أو المجهول أصلا، لأن الخطوة المرتقبة وهي تنفيذ الدوريات الأمنية المشتركة "موك" والسلطات المحلية المؤقتة بجميع ولايات الشمال المالي التي تم اختيارها مع ذلك لم تخطوا أي خطوة تذكر في الأعمال التي كان المقرر أن تقوم بها وذلك لأن الرؤوس التي تتحكم بها نفس الرؤوس السوداء في تاريخ السينما الجزائرية والتي ليست مستعجلة في تنفيذ الإتفاقية لأنهم ببساطة تحت المكيفات في الفنادق داخل باماكو وحتى الدولية وهذا يعتبر مشروعهم الخاص الذي يحصلون منه قوت يومهم إن طبقوا الاتفاقية بسرعة سيقف عنهم هذا المشروع الذي يبدوا بأنه ناجح.
أما الوساطة الجزائرية والدولية اخذوا خيار تأجيل الخطوة إلى ما بعد وضوح الرؤية بين الأطراف الموقعة مع تعنتهم فيما يجري واتهامات الطرف الجزائري ضد الحركات يدل على أنها غير قادرة على تحمل المسؤولية تجاه هذه القضية، وأيضا الفرنسيين المعنيين بالملف المالي، فلا هم لهم إلا التفتيش عن دور في الساحل بأي ثمن، ولذا تراهم غير مكترثين مهما طال أمد الشغور الأمني في المنطقة بأسرها طالماً هم من يسيطر على الوضع الأمني وقواتهم تسيّر أمور البلاد والعباد. و أمام هذه المشهدية غير المطمئنة إلى متى سيبقى الشعب على رصيف الإهمال الإقليمي والدولي وعدم الاكتراث المحلي؟
الجواب بسيط جدا وهو سيظل في هذا الإهمال إلى أن يغير الشعب استراتجياته تجاه الملف فإن الدولة الجزائرية لم تكن الدولة الوحيدة في العالم التي رشحت لتوكيل الملف لكن قادة التكتلات السياسية من سلموا لها أنفسهم بأياديهم وراء ظهورهم مع أن بعض الدول كالمملكة المغربية كانت ولازالت حسب معلوماتي تفتح لهم صدرها بكل صراحة بعيدا عن غموض مواقفها.
وهل سنشهد يوما قبول فشل الجزائر في تسوية القضية وتنتقل إلى دولة أخرى؟
يبدو أن هذا المشهد سيبقى هو السائد لفترة طويلة ويعود السبب في ذلك إلى كون أن الدولة الأزوادية المزعومة والدولة المالية القائمة فاقدتا التوازن والثقة، وما بين هذا وذاك حكومة لا تمشي إلا بقوة دفع قهرية بشكل يدفع إلى السخط الحقيقي من قبل الشعب الذي لم يعد يأبه إلى المواعيد التي تضرب وتؤجل لجلسات شبه عبثية لاهي تنتهي ولا هي تأتي بنتيجة، لكن الشعوب اليوم لم يعد له من همّ إلا كيفية التفتيش عن لقمة عيشهم في الوقت الذي يضعون فيه أيديهم على قلوبهم خوفاً مما يُحكى عن الوضع الأمني إن كان على الحدود مع موريتانيا أو مع النيجر أو بوركينا فاسو أو مع دول أخرى، والمعلومات التي تتحدث عن إمكانية إضافة موجة الاغتيالات في حال عودة من هم وراء الحدود إلى أراضيهم، ما قد يؤدي إلى فشل هذه الاتفاقية، لأن هناك من بات يجزم بأن الأسابيع وحتى الأشهر المقبلة لن تحمل أي ايجابيات على هذا الصعيد وذهب البعض إلى الجزم بأن لا سلام ولا اتفاقية فما بالك بتطبيقها في ما تبقى من تاريخ الجارتين، وهؤلاء يبنون معلوماتهم على العقبات التي ما تزال تعترض سبيل الاتفاق والتي يأتي في مقدمتها الرسالة التي بعث بها أعضاء منسقية حركات سيما وبلاتفورم للوساطة والحكومة المالية تزامنا مع زيارة وفد يقوده محمود ديكو رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في مالي لكيدال مفادها أن بإمكانهم قبول توقيف الحرب ودخول الإدارة المالية لكيدال بشروط عنترية من الجانبين مايعني لا سيما تريد تطبيق الإتفاق بسلام ولا بلاتفورم تريد ذلك.
غير أنهم ورغم النظرة التشاؤمية التي يرسمونها حول الاتفاق لم يقفلوا الباب بالكامل على إمكانية ولادة تسوية قيصرية للاتفاق في حال نجح الحكومة المالية في الإتيان بشركاء جدد في الاتفاقية بالوقت الذي توجد فيه مجموعات تسعى جاهدة في إظهار نفسها بمظهر القوي حتى يتبين للعالم بأن لا سلام ولا اتفاقية بدونهم.
وبالتالي هناك الجدية الغائبة للوساطة الجزائرية و الدولية وحتى السلطات المالية في مواجهة هؤلاء الذين يستنفرون كل قواهم في سبيل منع حصول هذا الاتفاق الذي يعتبرونه خطراً على مشاريعهم في المنطقة، وتحركاتهم الأخيرة في منطقة ’’أنفيف’’ قبل الموعد المختار لوصول الادارة إلى كيدال خير دليل على ذلك.
وهل يا ترى إن كانوا حقا يقولون ذلك سيعيد المجتمع الدولي والوساطة الجزائرية النظر إلى ملف هذه الجماعات؟
والأسئلة التي تطرح نفسها، هل يبقى الاتفاق في حالة المراوحة إلى أن تتضح معالم غبار المعركة بين هذه الحركات؟
تسارع أوساط سياسية مالية وحتى أجنبية إلى الإجابة على هذه الأسئلة بكشف معلومات مستقاة من أكثر من ناشط مفادها أن هناك نصيحة تتكرر يومياً على لسان أكثر من شخص متابع للأحداث بأن الحفاظ على حالة الاستقرار غير الموجودة حالياً في مالي، لابد من حل مشاكل ولاية كيدال بقبائلها أولا ولكن هل ستبقى الولايات الأربعة الأخرى مخطوفة من قبل ولاية واحدة لاتساوي حتى بلدية من بلديات تمبكتو مثلا، لذا وجب قول لماذا لانترك كيدال جانبا ونطبق الاتفاق في بقية الولايات الجاهزة بعده نبحث عن حلول لمشاكل كيدال، وذلك بسهولة لأن الوقت ضيق ومعاناة الشعب تضيقه أكثر وتعبئته بالحوارات الداخلية بين القوى السياسية والخروج بتفاهمات على الملفات التي تساهم في تحصين الداخل وإبقاء عجلة القضية متحركة وذلك طبعا لايصب في مصلحة لاجيء حيران يذوق حرارة الصيف في مخيمات اللجوء وجندي يستمع إلى الأعذار وهو في انتظار صدور قرار يصب في مصلحته.