الغد أول صحيفة عربية مالية

يحسبـون كل صيحـة عليهـم...!!!

بواسطة kibaru
غــلاف كتـاب مثلـث التوحيــد

فمع التقدم التقني الذي يشهده العالم مع انتشار الطفرة الحديثة، التي قربت المسافات، وحولت العالم إلى قرية كونية، متقاربة الأطراف، وبفضل هذا التطور العلمي الهائل، بما له وعليه، يتلقى المستخدم بين الفينة والأخرى رسائل من شبكات التواصل الاجتماعي، فكان مما وصل مؤخرا رسالة مفادها أن أمريكا تحرف القرآن الكريم بمصحف بديل أطلق عليه (مثلث التوحيد).

ولطالما ضربتُ صفحا عن رسائل كهذه بعد القراءة، بل وحذفها نهائيا، إلا أن الأمر اختلف هذه المرة عن ذي قبل، نظرا لتكرار الإرسال من مجموعات متعددة، ما أغرقني في التفكير عن فك شفرة اللغز الترويجي الذي حيرني.

وفي أثناء تصفح المواقع الإلكترونية، التي تناولت الحادثة، تأكد أن ثمة تدليسا وتشويها؛ بل وخلطا بين قضايا يفترض أن تعالج كل منها على حدة، فبدل التركيز على موضوع (مثلث التوحيد)، يقفز بعض أرباب القلم بذكاء على التاريخ للعودة إلى(فرقان الحق) الصادر2001م للمقارنة بينه وبين القرآن الكريم، متجاهلا تماما مساق بيت القصيد/ مثلث التوحيد، الذي عقدت له المقالات، لاعبين بانطباعات القراء والمشاهدين، الذين انساقوا وراء زخرف القول غرورا، رامين التفكير الحصيف وراءهم ظهريا.

أضف إلى ذلك لعبة الفضائيات - الدينية طبعا – التي أججت من ناحيتها أوار الإشاعة بالبرامج المباشرة والمسجلة، ولا أدل على ذلك من مقطع بعض القنوات على اليوتيوب، والذي يتحدث فيه الشيخ/مقدم البرنامج عن (مثلث التوحيد)، مشيرا إلى محاولات أمريكا المتكررة لطمس حقيقة الإسلام جراء تحريف القرآن، مقارنا بين هذه الحادثة وقصة (الفرقان الحق).  

بيد أن الرياح قد أتت بما لا تشتهي السفن، وثبت خلال تتبع دقيق أن (مثلث التوحيد) عنوان كتاب للروائي اليوناني (هاريس بوكس)، وهو في طبعته القديمة من القطع المتوسط، ويقع في إحدى وتسعين صفحة، ومقسم على مجموعة أناشيد، مع فقدان الناشر والطبعة وتاريخ النشر، كما أن الصفحات التي تلي الأنشودة العاشرة مفقودة أيضا.

تناول المؤلف فيه رحلته في الحقول وحال سكّان القرى الريفية في أوروبا وقصصا من حياتهم، فأوسمه بمثلث التوحيد أو (الثلاثة الواحدة) في إشارة إلى عمق الصداقة بين ثلاثة من رعاة الغنم في إحدى القصص التي رواها، علما بأن الكتاب متوفر على المواقع التالي:

(http://www.tahmil-kutub-pdf.net

ويظهر جليا من فحوى الكتاب أنه ليس كتابا دينياً كما ظن بعض المتدينين، الذين يسارعون - دون تثبت - إلى اتهام أمريكا والغرب بتحريف القرآن.

هذا ويتبين من خلال قراءة الإشاعة أن (مثلث التوحيد)، يوهم بالمفهوم العقدي المألوف في الأوساط الإسلامية: توحيد ألوهي، وتوحيد ربوبي، وتوحيد الأسماء والصفات، ما دفع بعض المتشددين إلى الاعتقاد بأنه يعني ذلك التصنيف الديني الشهير، وما دام الأمر كذلك، فإنه – من دون شك- يتناول نقد القرآن الكريم، وغير مستبعد أن تكون دسيسة لإشعال فتيلة التوتر- بدغدغة العواطف المتزمتة- بين أمريكا والرأي العام الإسلامي؛ لتحقيق مآرب ذاتية؛ وبخاصة مع تزامن فشو هذه الإشاعة بقرار الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) ضد رعايا بعض الدول الإسلامية.

أليس من الخجل بعد هذه التلفيقات اتهام أمريكا والغرب بمعاداة الإسلام، وإقحام الإسلام وزجه في صراع هو في غنى عنه، في وقت نغذي فيه العدسة الغربية بمادة سائغة للتداول في سوق الإعلام، ما حدا بنا إلى تلقف الإشاعات وإعادة إنتاجها وترويجها، حاسبين كل صيحة علينا!!   

أما آن الأوان أن نراجع أنفسنا فنلقي باللائمة على ذواتنا، معترفين بالعجز الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

فلم الذعر واقشعرار الجلود غيرة على المقدسات الدينية حين يتطاول الغير عليها، ألم نسبق إليه بمخالفة أوامره ونواهيه، وعدم العمل بمقتضى خطاباته والتي منها:(إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، فكيف تكون - والحالة هذه- نظرة الغرب إلينا ونحن في حمأة الإشاعة غارقون؟؟؟     

يونس سعيد تورى/ إعلامي وباحث