فالجميع مدرك ان حقيقة تقرير المصير ارتبطت بشكل وثيق بالاستعمار والاحتلال الاجنبي العابر للحدود وقد عبر عنه القانون الدولي بانه حق ثابت دون تقديم تفاصيل واليات عملية...وهذا بالتاكيد يدخل قضية حق تقرير المصير في اشكالية ومتاهات لا حصر لها فيكون اطرافها الشعوب الانفصالية والدول المركزية والقانون الدولي...
ومع وجود ظاهرة الاقصاء الإثني و التهجير والاندماج القصري وانعدام التنمية المناطقية والحروب القبلية والطائفية والاحتلال الممنهج وظهور انقسامات في اكثر من دولة...تشكل لدى العديد من الناس مفاهيم ودلالات اخرى حول قضايا حق تقرير المصير وخاصة اولئك الذين تراودهم تلك النزعات الانفصالية لدوافع عرقية او قومية او قبلية او سياسية او اي عوامل اخرى دونما اعتبارات لحجم المغامرات والمخاطر التي ستواجه اي دولة وطنية تضم في جغرافيتها العديد من الإثنيات والطوائف...
ولا اعتقد ان الدول الوطنية الديمقراطية فشلت فشلا زريعا ونهائيا لدرجة اننا نضطر الى الدعوة الى تشكيل دويلات قومية في اكثر من مناخ وبقعة جغرافية واعادة تشكيل الخارطة الدولية فالعالم كله وبمختلف اعراقه وقومياته وقبائله ان لم يكن اكثر امنآ في ظل الحكومات الوطنية الديمقراطية فمؤكد انها لن تكون اكثر امنآ في ظل قيادات قومية ودول قومية ونظم قومية فهذا النمط من العيش هو ما تكرسه الدعوات الانفصالية القديمة والحديثة في اكثر من دولة...
فجميع القارات ظهرت فيها دعوات مماثلة واستفتاء في منطقة ليست من دول العالم الثالث كاقليم كتالونية للانفصال عن دولة بحجم اسبانيا وما نتج عن تلك العملية من حالات عنف وتهديد ووعيد يعد دليل اخر على افلاس الدول العظمى ووهن النظام الدولي بسبب ازدواجية المعايير لدى صناع القرار في الامم المتحدة وهي بالطبع رسالة قوية ايضا الى الدول الاستعمارية الامبريالية القديمة والحديثة التي احتلت شعوب ودول بقوة السلاح ورسمت خارطة مزاجية تعبر عن امبرياليتها وتستحضر فيها سطوتها وتنمي استغلالها لمستعمراتها...
ورغم ان تلك الاجراءات لم تكن قانونية حسب دستور تلك البلاد ومهما كانت نتائج وتباعات استفتاء اقليم كتالونية الاسبانية الاوربية واستفتاء اقليم كردستان العراقية العربية فهي بمثابة رمي الكرة في ملعب الخصم - الدولة المركزية - والضغط عليه مما يشكل تحديا لا يستهان به داخليا واقليميا ودوليا وهي بمثابة دق ناقوس خطر في دول اوروبية اخرى مما قد يدفع الدول العظمى الى الشرب من نفس الكأس التي هي منصع يدها واعادة النظر في هذا القضايا بجدية...
اما شبح التقسيم الذي يطل برأسه في شمال العراق مهددا كل من تركيا وايران وسوريا لم يكن حديث الساعة ولكنه اصبح اكثر جدية عبر عملية احادية الجانب من قبل القوميين في اقليم كردستان مما عجل بتقارب بين اعداء الامس فالخطر مشترك ولامجال اقليميا للمكائد والمؤامرات التي هي سمة بارزة في هذه المنطقة فالقضية مصيرية واكبر من ان تلعب على شكل لعبة شطرنج لذا سارعت الدول الاقليمية بالتنديد والاستنكار والتحالف والعمل على تفعيل حصار شامل عبر قفل المنافذ الجوية والبرية وحشد الجنود في المعابر الحدودية...
فالانظار اليوم اقليميا ودوليا شاخصة نحو مفرزات تلك العملية بينما هناك آمال معقودة تترقب في كل صحوة ميلاد دولة جديدة في اي بقعة جغرافية وتمني النفس بذلك ففي افريقيا هناك جبهة البوليساريو وحركة اذواد ومنطقة القبائل واقليم دارفور والانجلفونية الكميرونية...
وغيرهم من الخلايا الانفصالية النائمة حتى في اوروبا واسيا....
ومما لاشك فيه ان هناك عوامل مهمة ساعدت في تنمية النزعة الانفصالية لدى العديد من دعاة الانفصال اهمها النزعة القومية والعامل الجغرافي والعامل الديني وهناك عوامل اخرى بالطبع لا تقل اهمية كالثراء الاقليمي والتنمية المناطقية و التهميش الاثني...ولست هنا أعمم على كافة الدول التي تشهد حركات انفصالية...
فالعامل العرقي والجغرافي يلعب دوره في قضية اقليم كردستان فالاكراد قومية لها امتداد عرقي جغرافي في كل من العراق وتركيا وسوريا وايران وكل هذه الدول السالفة الذكر تشهد حركات تمرد تهدف الى الانفصال عن الدولة الوطنية والقاسم المشترك والابرز بينهم مهما كانت الحجج والدعاوى هي نزعات انفصالية تغذيها دوافع قومية وهذا بالطبع ما يجعل هذه المطالب غاية في التعقيد فوق انها تهدد مصير الدولة الوطنية فهي تمس سيادة دول اقليمية وتدعم رغبات انفصالية وتزيد من مطامع حركات انفصالية في مناطق اخرى...
وسط ترقب عام من اين سيأتي الاعلان اولا عن ميلاد دولة جديدة من الاقليم الاسباني او الاقليم العراقي...
وقد يستفيد الاكراد من تزاوج الحالتين فينتظرون اعلان الكتالونيين اولا عن دولتهم الوليدة من اجل خلط الاوراق...
للحديث بقية...
بقلم/
Abou Fahmi Drame