الغد أول صحيفة عربية مالية

[ الصنغاي والفولان، وترجيح الكفة في قضية شمال مالي...]

بواسطة kibaru

يجمع اطراف النزاع في مالي على ان المكون الاساسي للمنطقة الشمالية هم الصنغاي والطوارق والفولان والعرب اضافة الى الطوارق السود وهذا يفرز لنا بالطبع عرقين اساسيين هم السود والبيض بأغلبية سوداء والمنطقة جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا احتضنت هذه الاثنييات وقبل ان نخوض في عين الموضوع نستحضر بعض المعلومات التاريخية على ضوء ما قدمه المؤرخين والكتاب من باب التوضيح....
 
وكما ان اطراف النزاع في مالي يجمعون على هذا المكون فان كتب التاريخ ايضا تجمع على حقائق مفادها ان الصنغاي قبيلة حضرية متمدنة مستقلة بذاتها امتهنت الزراعة والصيد والتجارة واتخذت من ضفاف نهر النيجر في اقصى الشمال الشرقي موطن لها وشيدت حوله مدينتها العريقة " غاو " التي اصبحت عاصمة لمملكتها التي تحولت الى امبراطورية عظمى في القرن السادس عشر وان هذا الشعب هو من اوجد نظام الحكم والتمدن والعمارة في المنطقة الصحراوية الواقعة  في شمال مالي وعلى اكتاف ابنائه تأسست امبراطورية الصنغاي التي بسطت نفوذها شرقا وغربا بعد سقوط امبراطورية مالي ومتدت نفوذها لعشر دول في غرب افريقيا...
 
وفي مكان ليس بالبعيد عن قبيلة الصنغاي كانت قبيلة الفولان الرعوية تسرح بمواشيها مراعية حقوق الجيرة ومحافظة على ارثها في الحل والترحال بين الشعوب حتى لقبت بقبائل الاتصال لكثرت اتصالها بالشعوب ونقلها للاخبار والمراسيل الشفوية منها والمكتوبة بين الاقطار ولهم امتداد لايمكن حصره واعدادآ كبيرة جدا من ابنائها استقروا وتحولوا الى المدنية منذ قرون عبر تجمعات فولانية مستقلة كانت لها اثرها في تأسيس مدينة حمدلله عاصمة مملكة ماسينا الفولانية التي ازدهرت في القرن التاسع عشر وتفرعت عنها العديد من العائلات التي انخرطت في العشائر القبلية جنوب الصحراء اسوة بابناء الصنغاي الذين جعلوا من العلم والتعلم نبراسا لحياتهم منتفضين على الجهوية والتقوقع المكاني فاسسوا العائلات وبنوا المنازل وفتحوا المحلات في انحاء الاقاليم الجنوبية...وتقلدوا عن جدارة واستحقاق أعلى المناصب الوزارية والسيادية في الدولة ولن تجد مؤسسة حكومية او اهلية عسكرية او مدنية قضائية اوتعليمية صحية او هندسية وغيرها...الا وابناء هذه القبيلتين يتربعون في اركانها لما عرف عنهم من تحصيل علمي و تأهيل مهني واجتهاد منقطع النظير في طلب العلم في شتى الميادين....
 
وعلى ضوء تلك الروايات التاريخية السالف الذكر نجد ان مملكة ماسنا الفولانية وامبراطورية الصنغاي هما العمق التاريخي والارث الاجتماعي والامتداد الثقافي لابنائهما في المنطقة ككل كما ان مدينتا تينبكتو وجنى شكلتا الارث الاسلامي والتراث الحضاري لعموم البلاد واصبحت المنطقة المعروفة بالغرب الافريقي تستحضر تاريخها الاسلامي من هذا الارث والتراث الذي مازال شاهدآ على تلك العصور المشرقة من التاريخ ويتضح جليا ان عنصر الاستقطاب لتلك القبائل للاستقرار والبناء كانت وفرة المياه والزرع اذ لم تكن هناك حضارة او مدنية تذكر انما بنيت بعد ذلك بسواعد من سكنوها ورغم هذا الارث الكبير والعمق التاريخي والمجهودات الجبارة والانجازات المجتمعية لقبيلتي الصنغاي والفولان في الدولة قديما وحديثا فان هناك تجاهل متعمد واقصاء ممنهج تجاه ابناء هذه القبيلتين فيما يخص قضايا مدنهم وقراهم التاريخية في شمال البلاد فالاولى مارستها حركات التمرد لاكثر من ستة عقود والثانية مارستها الحكومات المالية المتعاقبة منذ الاطاحة بالحكم العسكري الى اليوم...
 
ومنذ الستينيات القرن الماضي وعلى امتداد حركات التمرد وقف ابناء هذه القبيلتين العريقتين من القضية موقفآ ثابتآ لم يتزحزح تجاه الوحدة الوطنية وسدآ منيعا ضد نوايا تقسيم البلاد وهذا ما رجح كفة الوحدة الترابية منذ الامس الى اليوم وحافظ على اتجاه البوصلة رغم كل العواصف الرعدية التي عصفت بالبلاد طولا وعرضا ومعرفتهم ايضا بمغبة الوقوع في دولة قومية عبر تبنيهم لمشروع تقسيم وما يترتب عليه من نتائج جعلتهم اكثر اصرارا وتمسكا بالوحدة الوطنية التي ادت الى الوحدة الترابية وليس بخفي على احد من مواطني دولة مالي ماذا يعني انحياز قبيلتي الصنغاي والفولان الشماليتين الى فكرة التقسيم...والجميع يعرف ان حركات التمرد وعلى امتداد تاريخها لم تفلح ابدا في استقطاب قبيلتي الصنغاي والفولان ولم تجد تفاعل من الطوارق السود ولم تحصل على ضوء اخضر من بعض العشائر العربية...
 
وختاما 
اعتقد اننا نفهم من الاجماع حول المكون الاساسي والتاريخي...وعبر هذا السرد ان ثقل الكفة هي ما رجحتها قبيلتي الصنغاي والفولان وهذا ما يجب ان يفهمه عموم الشعب وان يكن محل تقدير الحكومات المالية...
 
بقلم/
 Abou Fahmi Drame