عندما أدلى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما العام الماضي بتصريح قال فيه أن الحرب في ليبيا قد كانت غلطته الكبرى طوال مدتين رئاسيّتين، سمع العالم كله أقواله وتدبّرها، لكن لا أحد من الليبيين الذين سيطروا على البلاد بفضل تدخل الإدارة الأمريكية وقصف الناتو صدّق واعتبر.
وعندما اصدر برنارد ليفي كتابه عن الحرب الليبية. وتحدث أمام الشاشات عن صناعة التمرد في ليبيا ووصف مقاتليها بأقذع النعوت وسخر منهم أمام العالم. وحتى بعد أن شرح أن حماسه لتدمير ليبيا والتخلص من نظامها كان سببه الولاء المطلق لإسرائيل والعمل من اجل مصالحها الإستراتيجية وأمنها. صمت الذين اسندوا له جواز سفر ليبي والتقطوا معه الصور في جبهات القتال بجانب جثث إخوتهم أبناء قوات الشعب المسلح. ولم يعلقوا بشيء على ما قال أو يندموا أو يعترفوا.
وعندما تحدث وزير خارجية قطر الأسبق حمد بن جاسم إلى قناة تلفزيونية كندية عن كواليس طبخ قرار فرض حظر الطيران الذي انتهى بحرب شاملة على ليبيا وإسقاط نظامها وقتل قياداتها وهدمها كدولة.. واعترف بطريقة إحالة ملف الأزمة الليبية إلى مجلس الأمن والأساليب التي اعتمدها بلده في تجييش الدول من داخل الجامعة العربية ومن خارجها، وصولا إلى مشاركة بلده في الحرب، وبيان الأطراف التي راهن عليها واستخدمها من مختلف المكونات السياسية والاجتماعية والايديلوجية.. استمع كثيرون وأدركوا مقدار التورط المباشر والشخصي للقطريين في تدمير ليبيا.. لكن لا احد من الليبيين الذين وصلوا إلى السلطة وحصلوا على المال والنفوذ والقوة تحلى بشجاعة الاعتراف أو حتى تصديق ما قال القطريون.
ثم جاء دور رئيس فرنسا الجديد ماكرون ليقول بصراحة ما عجز عن قوله ساركوزي وهولاند رغم أن كلا منهما قد دفع ثمن التدخل في ليبيا وخرج من الباب الصغير بالإضافة إلى انتشار الفوضى في أوروبا وتزايد العمليات الإرهابية والخروق الأمنية. اعترف ماكرون بأن بلده قد ارتكب خطأ جسيما بمهاجمة ليبيا وإسقاط دولتها لكننا لم نسمع أي اعتراف أو تصريح من جماعة المجلس الانتقالي الذين يدينون للرئيس الفرنسي الأسبق بشرعيتهم وفتح مؤسسات المجتمع الدولي أمامهم.
وطبعا لا ننسى خروج دافيد كمرون من منصب رئيس حكومة بريطانيا ومغادرته للعمل السياسي بسبب تورطه في حرب ليبيا. وكذلك تصريحات رئيس وزراء ايطاليا الأسبق برلسكوني عندما كشف أن الذي جرى في ليبيا لم يكن ثورة بل مؤامرة فرنسية.. ومع ذلك لا أحد يتحلى بفضيلة قول الحقيقة أو إقرارها على الأقل.
الظاهر أن حالة الغطرسة والعزة بالإثم ما زالت مسيطرة على إخوتنا في عديد المدن الليبية وما يزال الاستكبار يمنعهم من التعايش مع حقيقة الفشل والانهيار الوشيك بعد أن لم يتركوا على ارض ليبيا ما يمكن أن يشفع لهم أو يبرأهم من جرائم موثقة في حق شعبهم وبلدهم. من بإمكانه أن ينفي عنهم التآمر على بلدهم وتسليمه أو المتاجرة بثروات شعبهم؟ وهل سيستطيعون مواجهة الأجيال المقبلة التي سترث عنهم الكراهية والثأر في كل منطقة من مناطق البلد؟
لقد سبق أن تحدثت في مثل هذا مرات عديدة. وها أنا أكرره ابتغي منه مرضاة ربي وصلاح حال بلدي وشعبي. وأنا أخاطب كباركم قبل صغاركم وعقلائكم قبل سفهائكم حتى يقرؤوا المشهد بطريقة سليمة وعاقلة. لا تستهينوا بالاعتراف ولا تقللوا من شأن ما اقترفتم أو تعولوا على عامل الوقت والنسيان فالجرائم التي ارتكبتم لا تسقط بالتقادم لأن نتائجها قائمة ومتفاقمة، وما من حل أمامكم بعد أن أقام عليكم الآخرون الحجة. وإن اكبر خطاياكم اليوم هي إهدار فرص الالتقاء والسلام وعدم جديتكم إزاء خصومكم شركاؤكم في الوطن الذين تجاوزكم بمراحل في عمليات المراجعة والاعتراف وتعالوا على جراحهم وفقدان ممتلكاتهم ووجع النزوح والنفي ومعاناة ابنائهم في السجون.
لقد اعتقدتم في شركاء الوطن ضعفا وقلة حيلة عندما كانوا يلتمسون سبل المصالحة ورأب الصدع معكم وكنتم في أوج قوتكم وأخذكم العلوّ والاستقواء على إخوتكم بالخارج. فماذا انتم فاعلون اليوم وقد تغيرت المعادلة وانقلبت الأوضاع بقوة المولى الجبار؟ ما يزال الأمر في بداياته وسوف تتالى الهزات في الإقليم وفي البلدان الراعية لمشروع هدم ليبيا واستعمارها وسوف تضيق عليكم الأرض بما رحبت ويعيد التاريخ نفسه وتذوقون مرارة الندم.
لست من دعاة الشماتة والكراهية لكنني أقول هذا لكي أحذركم وأبصركم بحقائق وأمور حتمية لا مفر منها. ولكم القرار في الذهاب إليها بإرادتكم أو قبولها مرغمين وإلا فلن يكون مصيركم أفضل من الذين غدرتم بهم وتحالفتم مع الأعداء لإسقاطهم.
توقفوا عن إضاعة الوقت وإهدار الفرص ولا تتمسكوا بحلول الخارج التي تتوهمون أنها ستنقذكم من أبناء شعبكم فهؤلاء لو كانوا يعلمون حقيقة الليبيين ما كانوا دعموكم أو سلموا لكم البلد. استغلوا فرصة هذه الأيام المباركة ومواسم التسامح والمحبة بين المسلمين وتخلصوا من أمراضكم ومن عقدة الاستعلاء فلا احد من حلفاء الأمس مستعد لبذل دولار واحد من أجلكم أو إرسال جندي واحد أو طائرة واحدة لنصرتكم. ألا هل بلّغت اللهم فاشهد.
جوهنسبرج، 25 يونيو 2017
سفير ليبي سابق